من النهر إلى البحر: هل صرح نتنياهو بخطة الإحتلال المفتوح؟
من النهر إلى البحر: هل صرح نتنياهو بخطة الإحتلال المفتوح؟
تصريح واحد، وخريطة واحدة، وأيديولوجيا تمتد عبر عقود، تكشف عن طموح إسرائيلي يتجاوز كل الحدود المعترف بها دولياً. «إسرائيل الكبرى» ليست مجرد شعار، بل خطة واضحة للتوسّع والضم، تتحدى القوانين الدولية وتضع المنطقة العربية أمام إختبار جديد لصمودها ووحدتها.
تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حول «إسرائيل الكبرى»، قبل أيام، لم تكن مجرد تعليق عابر، بل كشف عن إستراتيجية متجذّرة تهدف إلى توسيع حدود الدولة الإسرائيلية بما يتجاوز ما اعترفت به الشرعية الدولية. هذا التصريح الذي جاء خلال مقابلة إعلامية، وترافق مع هدية قدمها مذيع إسرائيلي تتضمن خريطة موسّعة لـ«أرض الميعاد»، لم يكن محض صدفة، بل رسالة مباشرة لقاعدته اليمينية المتطرفة وحلفائه في الحكومة، تؤكد إستمرار طموحات الإستيطان والضم للأراضي الفلسطينية والجوار العربي.
كيف نشأت فكرة إسرائيل الكبرى عبر التاريخ؟
مفهوم «إسرائيل الكبرى» لم يظهر فجأة، بل له جذور تاريخية عميقة في الفكر الصهيوني. منذ منتصف القرن العشرين، تبنّت تيارات صهيونية متشددة فكرة توسع الدولة لتشمل كامل فلسطين التاريخية، بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وأجزاء من الدول المجاورة. هذا الهدف ارتبط لاحقاً بالمواقف الأيديولوجية لليمين الديني، وتغذى من الإنقسامات العربية والإقليمية، بدل الإعتماد على أي تفوق عسكري مطلق.
1967 وما بعدها: كيف ترسخت سياسة الضم والإستيطان؟
بعد حرب العام 1967، تبلورت هذه الرؤية عملياً على الأرض، مع احتلال الضفة والقدس الشرقية وقطاع غزة، إلى جانب أجزاء من هضبة الجولان وسيناء. لقد تراجعت إسرائيل عن سيناء بموجب إتفاقية سلام مع مصر، لكنها رسّخت سيطرتها على القدس والجولان. أما الضفة الغربية وغزة، فقد ظلّ الإحتلال قائمًا فيهما مع إستمرار توسّع الإستيطان، رغم الإتفاقيات التي نظمتها أوسلو.
كيف يضغط المتطرفون على نتنياهو لتوسيع إسرائيل الكبرى؟
في الداخل الإسرائيلي، يواجه نتنياهو ضغطاً مستمراً من وزرائه اليمينيين المتطرفين، الذين يطالبونه بمواصلة الحرب على غزة وتوسيع الإستيطان. تصريحات نتنياهو الأخيرة يمكن قراءتها كتحرك براغماتي لتثبيت مكانته أمام هذه الضغوط، وأيضاً تعكس تمسكه الشخصي بالمشروع الأيديولوجي للتوسّع، وتوظيفه في الخطاب السياسي لتعزيز شعبيته في أوساط ناخبيه الأكثر تطرفاً.
الموقف العربي والإسلامي أمام إسرائيل الكبرى: إدانات وتحذيرات
رداً على هذه التصريحات، أصدرت 31 دولة عربية وإسلامية، إلى جانب أمناء عامين للجامعات والمنظمات الإقليمية، بيانات قوية تدين مشروع «إسرائيل الكبرى». البيان إعتبر تصريحات نتنياهو تهديداً للأمن القومي العربي وخرقاً صارخاً للقانون الدولي، مع التأكيد على رفض جميع السياسات التوسعية في الضفة وغزة والقدس، والتمسك بالحلول السياسية التي تضمن حقّ الشعب الفلسطيني في أرضه.
المجتمع الدولي يغض الطرف: الإنتهاكات الإسرائيلية بلا عقاب
على النقيض من الردود العربية، كان الموقف الغربي الدولي ضعيفاً إلى حدّ كبير، حيث اقتصرت التصريحات على تعابير قلق لفظية. هذا الصمت يعزّز إحتمالية تحويل الطموحات التوسّعية إلى واقع عملي على الأرض، ويزيد من صعوبة تحقيق أي تسوية سياسية عادلة مستقبلاً. إذ إنّ تحقيق أي تقدم نحو السلام يتطلب إستجابة فعلية من المجتمع الدولي، تشمل ضغوطاً دبلوماسية وإقتصادية على إسرائيل، ومراجعة إتفاقيات التطبيع القائمة، ومواجهة أي سياسة توسعية قبل أن تتحول إلى واقع دائم. هكذا فإنّ التاريخ يقدم دروساً مهمة: تجاهل التوسع الإستعماري أو التعامل معه بتساهل يؤدي إلى تعميق الأزمة وتجميد أي أفق للتسوية.