تحالفات حزب الله تتهاوى: باسيل يوجه الضربة القاضية
تحالفات حزب الله تتهاوى: باسيل يوجه الضربة القاضية
الوقت يعمل ضد الحزب. فكل يوم يمر، يخسر ورقة جديدة من أوراق قوته السياسية. وبخلاف المرات السابقة، حيث كان يستفيد من الإنقسامات الداخلية لإعادة خلط الأوراق، يبدو أنّ هذه الإنقسامات اليوم تعمل ضدّه، وتدفعه نحو عزلة شبه تامة.
لم يكن المشهد السياسي اللبناني بحاجة إلى زلزال جديد، لكن ما أعلنه جبران باسيل في مؤتمره الصحفي الأخير كان بمثابة هزة ارتدادية هائلة، أنهت فعليًا آخر حبال التحالف بين «التيار الوطني الحر» وحزب الله فباسيل، الذي وُصف طويلاً بـ «آخر الحلفاء الكبار»، أعلن تبني التيار موقفًا واضحًا لا لبس فيه: حصر السلاح ومرجعيته بيد الدولة وحدها، بلا شراكة أو إستثناءات.
هذا الموقف لم يأتِ من فراغ، بل على وقع إنهيار متسارع لشبكة التحالفات التي بنى عليها الحزب نفوذه السياسي منذ ما بعد 2006. ففي الأسابيع الأخيرة، إنسحبت قوى أساسية من صفوفه: تيار المردة بقيادة طوني فرنجية، الحزب الديمقراطي اللبناني بزعامة طلال أرسلان، جمعية المشاريع الإسلامية (الأحباش)، حزب الطاشناق، وفيصل كرامي. وبذلك، لم يتبقَّ للحزب أي حليف وازن خارج البيئة الشيعية.
حتى داخل هذه البيئة، المشهد ليس مستقراً. حركة أمل ونبيه بري يسيران على حبل مشدود بين ضغوط الخارج وحسابات الداخل. نبيه بري، الممسك بمفاصل السياسة الشيعية التقليدية، يدرك أنّ أي قطيعة كاملة مع حزب الله قد تفجر الدم بين أبناء الطائفة، وفي الوقت نفسه يخشى من العقوبات الأميركية التي قد تطال إستثماراته الممتدة حتى ولاية ميشيغان الأميركية، والنتيجة: موقف رمادي، لا قطيعة ولا التحام كامل، بل لعب على التوازنات حتى اللحظة الأخيرة.
هذا الواقع يضع حزب الله أمام معضلة وجودية. فعلى الصعيد السياسي، لم يعُد أمامه أي جدار يحتمي به خارج الإطار الطائفي الضيق. وعلى الصعيد الإقليمي، التبدلات السريعة في خرائط التحالفات تجعل من الصعب الرهان على دعم غير مشروط من حلفائه التقليديين، خصوصاً في ظل الضغوط الدولية التي تضع ملف السلاح على رأس الأولويات.
الوقت يعمل ضد الحزب. فكل يوم يمر، يخسر ورقة جديدة من أوراق قوته السياسية. وبخلاف المرات السابقة، حيث كان يستفيد من الإنقسامات الداخلية لإعادة خلط الأوراق، يبدو أنّ هذه الإنقسامات اليوم تعمل ضدّه، وتدفعه نحو عزلة شبه تامة.
في ميزان القوى الحالي، لم تعُد الإستعراضات العسكرية في الشوارع، ولا الخطابات النارية، قادرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ومع تراجع الغطاء السياسي، يصبح السلاح عبئًا أكبر من كونه أداة نفوذ. والمؤشرات جميعها توحي بأنّ مرحلة ما بعد التحالفات قد بدأت، وأنّ الحزب يتجه، عاجلاً أو آجلاً، نحو مواجهة إستحقاق بلا حلفاء، وبلا شبكة أمان، في ساحة سياسية لم تعُد تشبه تلك التي عرفها طوال العقدين الماضيين.