سجادة العجم التي تمدّدت على كامل الشرق الأوسط: من الحياكة إلى الإحتراق

سجادة العجم التي تمدّدت على كامل الشرق الأوسط: من الحياكة إلى الإحتراق

  • ١٤ آب ٢٠٢٥
  • ناتالي أبو حرب

تغيّر مشهد زيارة لاريجاني للبنان، هذه الزيارة ليست مثل كلّ الزيارات التي كانت تقوم بها طهران سابقاً. لاريجاني لم يعُد يعطي دروس أو يأمر من مراكز النفوذ في دمشق وبغداد وبيروت.

كثر من يقولون أنّ الفرس يعملون بالسياسة كما يعملون بالسجاد. هذه العبارة ليست مجرّد مثل، بل هي مفتاح لفهم لعبة نفوذ إيران في المنطقة. إذ إنّ السجاد الإيراني ليس مجرد قطعة قماش؛ بل هو عملية تتطلّب صبرًا ودقّة وعملًا جماعيًا متقنًا. إنّ السجادة تحتاج إلى وقت طويل، وإذا إنقطع خيط واحد منها، قد تتلف الحياكة بأكملها، وعندما تكتمل، تُعرض في البازار لتُباع بأعلى سعر ممكن.

بعد الثورة الإيرانية عام 1979، قررت إيران أن تلعب دور «الأخ الأكبر» الإقليمي وتحيك سجادة نفوذها على مساحة  منطقة الشرق الأوسط، خيوطها الأساسية حزب الله في لبنان وهو بمثابة الإبن البكر والذراع الأطول في المنطقة. وبعده، جاء الإخوة الآخرون: البعث السوري، الحشد الشعبي في العراق والحوثيون في اليمن.

فضلاً عن محاولة تحريك المعارضة الشيعية في البحرين وبعض المجموعات الصغيرة في الكويت، وأيضاً استأجرت حركة حماس لتنضم الى الفريق. لقد تحركت كلّ هذه المجموعات تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني. تلك العملية كانت مشروعًا متكاملًا، نسجت خلاله إيران سجادة متينة ومتماسكة. وفي سنواتها الذهبية، حقّقت مكاسب سياسية وعسكرية كبيرة، وباعت نفوذها الإقليمي بأعلى ثمن على ساحة الإقليم.

لكن في الأشهر والسنوات الأخيرة، لم تجرِ حياكة السجادة بالإتقان المعهود. فالتهوّر والعناد، خصوصاً بعد أحداث 7 أكتوبر، قلبا الموازين. الحرس الثوري الإيراني، عندما هدّد إسرائيل، كان يحاول إعادة نسج السجادة، لكن السوق تغيّر، والطلب اختفى. ما هي النتيجة؟ السجادة وُضعت في البازار، لكن لم تجِد من يشتريها، بل وُضعت فوق النار… فاحترقت بسرعة. لم يعد النفوذ الإيراني متماسكًا، وتفككت خيوطها.

اليوم، مع زيارة لاريجاني للبنان، المشهد تغيّر. هذه الزيارة ليست مثل زيارات طهران سابقاً الى لبنان. لاريجاني لم يعُد يعطي دروساً أو يأمر من مراكز النفوذ في دمشق وبغداد وبيروت. لقد أتى حالياً ليراقب، ليتفاوض بحذر، وحتّى ليعترف أنّ خطوط الإتصال مهددة، وأنّ سجادة إيران تتفكك خيوطها. قد تغيّر الوضع والمعادلة إنقلبت. إنّ طريق طهران- بيروت بات معتماً ، وكثير من الخيوط تقطعت: فالحشد الشعبي العراقي محاصر بين الضغوط والتهديدات، وحزب الله يواجه أزمات داخلية وخارجية، بمعنى أنّ النفوذ الإيراني تقلّص ، والأدوار التي كانت لإيران تراجعت أو حتى انتهت.