زيارة أحمد الشرع إلى واشنطن… صفقة الأمن مقابل البقاء
زيارة أحمد الشرع إلى واشنطن… صفقة الأمن مقابل البقاء
جوهر اللحظة، أن يتحوّل النظام الذي عاش على لغة «المقاومة» إلى نظام يعيش على ضمانات «الأمن»، والعداء التاريخي إلى صفقة باردة عنوانها البقاء مقابل الولاء.
في العاشر من تشرين الثاني 2025، استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض، في مشهد بدا كأنّه إعلان رسمي عن نهاية مرحلة وولادة أخرى في مسار الصراع السوري. للمرة الأولى منذ استقلال سوريا، يدخل رئيس سوري إلى واشنطن ليس كعدو أو متمرّد، بل كشريك محتمل في «اتفاق أمني» يعيد رسم التوازنات في المشرق.
اللقاء، الذي جرى خلف الأبواب المغلقة، لم يكن زيارة بروتوكولية ولا خطوة رمزية. بل كان خطوة تأسيسية لإتفاق غير مسبوق، تقوم فكرته الأساسية على «الأمن مقابل البقاء». ووفق التسريبات الدبلوماسية، إتفقت واشنطن وتل أبيب ودمشق على بنود إتفاق أمني جديد يشمل الجنوب السوري، ويمنح كل طرف ما يريده: إسرائيل ستحصل على حدود شمالية هادئة ومستقرة، والولايات المتحدة على قاعدة عسكرية دائمة في قلب دمشق، والنظام السوري على شرعية دولية جديدة تضمن بقاءه.
البنود المسربة تتحدث بوضوح عن نزع السلاح الكامل في محافظتَي السويداء ودرعا، وتحويل جبل الشيخ إلى منطقة عسكرية مشتركة تحت إشراف أميركي-إسرائيلي مباشر، مع إقامة قاعدة أميركية في محيط مطار المزة قرب العاصمة. في المقابل، تلتزم واشنطن بتعليق العقوبات المفروضة على سوريا، وفتح قنوات مالية لمساعدتها في إعادة الإعمار، بالتنسيق مع دول عربية مستعدة لتمويل المرحلة المقبلة.
من الناحية السياسية، يعتبر الإتفاق مكسباً استراتيجياً لإسرائيل التي تنال للمرة الأولى ضمانة مكتوبة بحدود آمنة مع سوريا، دون الحاجة إلى حرب أو مواجهات مباشرة. أما بالنسبة للرئيس الشرع، فهو إنتصار البقاء، من نهاية العزلة الدولية، إلى بداية دعم مالي، وأهم من ذلك، الضوء الأخضر الأميركي لتفكيك الميليشيات التي تحولت إلى الخطر الأكبر على سلطته ووحدة بلاده.
لكن خلف هذه الصورة البرّاقة، يختبئ تحوّل جذري في موقع سوريا الإقليمي. فدمشق التي كانت لسنوات رأس حربة «محور المقاومة»، أصبحت اليوم بوابة عبور لتسوية جديدة تُرضي واشنطن وتل أبيب، وتهمّش نفوذ طهران وموسكو في آن واحد. الشرع، الذي صعد من صفوف المعارضة إلى رأس الدولة، يبدو أنّه اختار الرهان على الأميركيين لضمان حكمه، ولو على حساب الشعارات التي بُنيت عليها الجمهورية منذ نصف قرن.
الزيارة إلى واشنطن لم تكن مجرد لقاء بين زعيمين، بل كانت إعلاناً عن ولادة «شرق أوسط جديد» تُرسم حدوده هذه المرة في مكاتب البيت الأبيض لا على جبهات الحرب. وربما كان هذا هو جوهر اللحظة، أن يتحوّل النظام الذي عاش على لغة «المقاومة» إلى نظام يعيش على ضمانات «الأمن»، وأن يتحول العداء التاريخي إلى صفقة باردة عنوانها الحقيقي… البقاء مقابل الولاء.

