ميشال عون: لعنة تشرين أم نعمة تشرين

ميشال عون: لعنة تشرين أم نعمة تشرين

  • ١٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
  • أنطوني سعد

لم يعد النقاش حول زعامة ميشال عون بقدر ما أصبح حول الكلفة التاريخية لتجربته. تحوّل من رمز للسيادة إلى أحد أسباب سقوطها، ومن أمل للمسيحيين إلى عبء على وجودهم السياسي.

 في الذاكرة المسيحية اللبنانية، يبقى شهر تشرين عنوان التحولات الكبرى. في 13 تشرين الأول 1990، دخل الجيش السوري إلى المناطق المسيحية فلجأ ميشال عون إلى السفارة الفرنسية، منهياً آخر محاولة للحفاظ على «الكونتون المسيحي» المستقل. ذلك اليوم لم يكن فقط سقوطاً عسكرياً، بل لحظة إنكسار نفسي وسياسي للمسيحيين الذين ظنّوا أنّ عون يخوض معركة السيادة، قبل أن يترك جنوده ويرحل

بعد خمسة عشر عاماً، عاد عون من المنفى عام 2005 محمولاً على موجة شعبية واسعة، باعتباره رمز التحرر من الوصاية السورية. لكنه سرعان ما انقلب على الخيار السيادي للمسيحيين، فوقع في 6 شباط 2006 إتفاقاً سياسياً مع حزب الله، فتح عبره الباب أمام النفوذ الإيراني في البيئة المسيحية، وغطّى السلاح غير الشرعي، ونسف التوازن الوطني الذي نشأ بعد خروج الجيش السوري. من تلك اللحظة، بدأ التيار الوطني الحر يتحوّل من حركة إصلاحية سيادية إلى أداة ضمن محور إقليمي.

في عام 2015، سلّم عون قيادة التيار إلى صهره جبران باسيل. كانت هذه الخطوة بداية الإنهيار الداخلي. حوّل باسيل التيار إلى مشروع شخصي قائم على السلطة لا المبادئ، وفتح معارك مع الحلفاء والخصوم معاً. رغم امتلاك التيار أكبر كتلة نيابية مسيحية، وسيطرته على أهم الوزارات، ومفاصل في الجيش والقضاء والإدارة، ووصوله إلى رئاسة الجمهورية، فإنّ عهده شهد خسارة تدريجية لكل هذه المواقع. بدل ترسيخ قوة المسيحيين في الدولة، تم عزلهم عن محيطهم العربي والدولي، واهتزّت صورتهم داخل الداخل اللبناني.

ثم جاءت 17 تشرين الأول 2019. الثورة الشعبية التي أنهت فعلياً عهد ميشال عون قبل انتهاء ولايته. ثار الشعب في عهده على الفساد والمليشيا، وخرج اللبنانيون من كل الطوائف إلى الساحات رفضاً لمنظومة سياسية غارقة في المحاصصة والتحالف مع السلاح. سقطت صورة «الرئيس القوي»، وتهاوت شرعيته الشعبية، وتحول تشرين إلى لحظة كسر لهيبة العهد ومشروعه.

اليوم، وبعد نهاية العهد، يُعاد تقييم التجربة بواقعية. هل كان ميشال عون بطلاً في مواجهة الإحتلال، أم بائع أوهام نجح في تسويق مشروعه لشعب كامل مرتين وانتهى به المطاف إلى تدمير الدولة والوجود السياسي للمسيحيين؟ الوقائع تُظهر أنّه أنهى «الكانتون المسيحي» في 1990، انقلب على الخيارات السيادية في 2006، غطّى السلاح على حساب الدولة، ثم في الحكم فتح الباب أمام عزلة لبنان عن العرب، وأوصل البلد إلى الإنهيار الاقتصادي والمال

وتبلغ المأساة ذروتها حين نكتشف أنّ جبران باسيل لم يكن استمراراً لمشروع عون، بل كان أداة لانهيار مشروع الدولة وتدمير نوستالجيا المسيحيين وضرب الفكر السياسي المسيحي الحديث. ففي عهده إمتلك التيار الوطني الحر كل عناصر القوة: النواب، الوزارات، المراكز الحساسة، والرئاسة. ومع ذلك، خسر كل هذه المكتسبات في وقت قياسي. أفقد التيار ثقة الشارع، عزل المسيحيين عن عمقهم العربي والدولي، وأفشل آخر محاولة لبقاء هذا المشروع السياسي.

عند هذه النقطة، لم يعد النقاش حول زعامة ميشال عون بقدر ما أصبح حول الكلفة التاريخية لتجربته. تحوّل من رمز للسيادة إلى أحد أسباب سقوطها، ومن أمل للمسيحيين إلى عبء على وجودهم السياسي. تجربته لم تنتهِ بتحرير ولا ببناء دولة، بل بانهيار شامل دفع اللبنانيين إلى البحث عن مرحلة مختلفة وقيادة جديدة.

هل كان تشرين لعنة على ميشال عون… أم نعمة على الشعب اللبناني أنهت أخطر مغامراته السياسية؟