من الفدائي إلى الجيوش: ترامب يعلن من القاهرة نهاية العمل الميليشياوي وإعادة الدولة إلى المسرح العسكري
من الفدائي إلى الجيوش: ترامب يعلن من القاهرة نهاية العمل الميليشياوي وإعادة الدولة إلى المسرح العسكري
الخطة الجديدة التي ستُعلن من القاهرة تقوم على إستعادة الدولة لاحتكار العمل العسكري، وتفعيل القنوات الدبلوماسية والمقاومة السلمية كوسائل بديلة عن المواجهة المسلحة.
بعد هزائم متتالية وفشل جيوش عربية في تحقيق أهدافها العسكرية منذ منتصف القرن الماضي، نشأت ثقافة الفدائيين كبديل، حيث برزت مجموعات مقاتلة فلسطينية قادت عمليات عبر الحدود ضد إسرائيل ابتداءً من خمسينات القرن الماضي. هذه المرحلة التي شهدت ولادة حركة الفدائيين مثلت تحولاً في طبيعة الصراع، إذ انتقلت المواجهة من ساحة الجيوش النظامية إلى حرب العصابات والعمليات الصغيرة التي أرخت بظلالها على سنوات لاحقة.
نكسة 1967 كانت نقطة تحوّل دراماتيكية؛ إنهيار جيوش عبد الناصر وغيره من القادة العرب دفع الدول العربية والإسلامية إلى تفويض الدور العسكري إلى أطر غير حكومية، وتبلور ذلك في صعود منظمة التحرير الفلسطينية كالإطار الجامع للمقاومة. القرار السياسي آنذاك راهن على أنّ العمل الفدائي يمكن أن يعوّض قصور الجيوش، فكان إنتقال القيادة من الدولة إلى التنظيمات، ومن المعركة النظامية إلى المواجهة غير المتكافئة.
على ضفاف هذه المسارات نمت منظمات متعددة، من فتح إلى الجبهات اليسارية، ثم برزت في العقود اللاحقة حركات إسلامية ذات طابع عقائدي كحماس في فلسطين وحزب الله في لبنان، اللتين تبنتا شعار المقاومة المستمرة ضد إسرائيل. ومع مرور الوقت تحوّل العمل المقاوم إلى منظومة متشابكة، تتقاطع فيها المصالح الإيرانية والإقليمية، وتُستخدم فيها القضية الفلسطينية كعنوان جامع لتوسيع النفوذ.
الإعلان المنتظر من القاهرة عن إنتهاء مرحلة العمل العسكري الميليشياوي وعودة الجيوش إلى الواجهة، يُشكّل منعطفاً تاريخياً في مسار الصراع. فبعد عقود من تفويض المجموعات المسلحة، تتجه المنطقة إلى إعادة الصلاحية العسكرية إلى الدول، في محاولة لاستعادة وحدة القرار والردع الرسمي، وإنهاء حالة التعدد المسلح التي فشلت في تحقيق الإنتصار وأضعفت بنية الدول. هذا القرار يعني عملياً أنّ الأطر المسلحة غير التابعة للدول سيُطلب منها الإنخراط في أطر رسمية أو مواجهة عزلة سياسية وربما عمليات إستهداف كجزء من عملية إعادة تنظيم الأمن الإقليمي.
في هذا المشهد، يواجه حزب الله معادلة معقّدة. وبرغم الضغوط السياسية والدبلوماسية، تشير معطيات الميدان والقراءات الإستخبارية إلى أنّ قيادة الحزب تميل إلى خيار المواجهة كرد فعل على تراجع مكانة محور المقاومة وسقوط نموذج حماس في غزة؛ خيارٌ قد يدفعه إلى تصعيد محدود أو موجّه، لا سيما على خط المواجهة مع إسرائيل، كرسالة قدرة وإبراز موقعه في المعادلات الإقليمية. ولكن هذه المواجهة ستُخاض على خلفية عزلة نسبية، من دون غطاء عربي جامع أو دعم دولي صريح، ما يعرّض الحزب لمخاطر إستنزاف سياسية وعسكرية إذا استمر التصعيد الطويل الأمد.
إيران من جهتها أمام معضلة مفادها أنّ الدفع بحليفها إلى مواجهة غير محسوبة قد يؤدي إلى تآكل النفوذ الإيراني كلياً في العالم العربي وتحميلها كلفة سياسية ودبلوماسية كبيرة. لذا من المرجّح أن تسعى طهران إلى موازنة بين دعم معنوي أو لوجستي محدود، ومحاولات دبلوماسية لإعادة ترتيب الأوراق، بدل الإقدام على دعم عسكري واسع قد يفضي إلى نتائج عكسية على المستوى الإقليمي.
الخطة الجديدة التي ستُعلن من القاهرة تقوم على إستعادة الدولة لاحتكار العمل العسكري، وتفعيل القنوات الدبلوماسية والمقاومة السلمية كوسائل بديلة عن المواجهة المسلحة. وباختصار، تعني هذه المقاربة نهاية مرحلة الميليشيات التي كانت تتحرك تحت شعارات القضية الفلسطينية لتبرير تجاوز سيادة الدول وإضعاف مؤسساتها. وفي ظلّ هذه المعادلة الجديدة، تبدو الخيارات أمام حزب الله ضيقة ومرة: إما القتال والمواجهة وما تحمله من إحتمالات الهزيمة والإستنزاف، أو الإستسلام والإنكفاء أمام واقع سياسي جديد يرسم خريطة المنطقة من دون سلاحه. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: ماذا سيختار الحزب؟