شارع الضحايا ووسام زياد
شارع الضحايا ووسام زياد
قبل خمسة أعوامٍ من اليوم، كُتب لنا، نحن الذين لم يتوفّق بقتلنا مُجرمو تفجير #٤_آب، عُمرًا جديدًا. لم يُكتَب لأنّنا أشدّاء ومتنبّهون أو أذكياء ومتبصّرون، بل فقط لأنّ عصف التفجير لم يجرِ بكامل ما اشتهى المُفجِّرون. مِنّا من صُدف وجوده في دَرايا الصُدف، فلاذَ شبه حيّ، ومِنّا من ثَلِمت حدّة العصف قبل بلوغ عروقه، فنجا شبه سالم. إفلاتٌ من الذهاب أتى، ذاك اليوم، محض صُدفٍ، لكنّ الإفلات من العقاب يأتي، كلّ يوم، محض ترصّدٍ وتحضير وإصرارٍ وتدبير.
«شارع الضحايا ووسام زياد»
بعد نصف عقد على الجريمة، وفيما لم تُعقد بعدْ نصف جلسة محكمة للقَتلة، أصبح للقتلى شارعٌ بإسمهم اقتُطع من مسرح الجريمة حيث قُطِّعت الأجساد وقُطِعت الأنفاس وانقطع الأمل وتوقّف الزمن. وفي التجربة اللبنانيّة، تُرعبنا هكذا تكريمات أكثر بكثـــــير، ممّا يفعل الإهمال والإذلال والتنكيل، إذ غالبًا ما تأتي صحوات الضمير الرسميّ بعد فوات كلّ أوان وبعد أُفول كلّ أملٍ بارتقاء الحقّ. شارعُ الضحايا هذا لا يزيد قيمةً ومنفعة عن ذلك الوسام الفاخر على جثمان الخلّاق زياد الرحباني.
«السلاح والإنهيار و #٤_آب»
مَراسٍ ثلاث تشبّثت بها الدينامية السياسية في لبنان، لا سيّما التغييريّة منها، في السنوات الفائتة: السلاح والإنهيار والرابع من آب. لم يخطر ببال أحد أنّ سقوط حَمَلة السلاح قد يأتي قبل سقوط مجرمي النترات ومُرابي المصارف. فبعد تورُّط السلاح في شرك اللعب مع الشياطين الكبار، أصبحت العدالة لمجرمي تفجير بيروت ونهب لبنان قِبلة السياسة والنضال. أيّ تغاضٍ، اليوم، لا سيّما في أدغال ما قبل الإنتخابات الآتية، عن كلّ متورّطي الجريمتين، مهما بهتت لمستهم، هو خطيئة وطنيّة وأخلاقيّة كُبرى.
«بهتان الشعارات لا يمسح صحّتها»
في زمن السرعة والتفاهة والتواصل الرقميّ الإجتماعيّ، باتت مدّة الصلاحيّة للمفاهيم مُفرطة القِصَر. أَنتجت محطّات النضال، في لبنان، قضايا وشعارات فائقة الأهميّة لا يختلف عاقلان على صحّتها، مثل «طلعت ريحتكم»، و«تحالف المافيا والميليشيا»، و«منظومة الفساد»، و«منظومة النترات»، و«البنكرجيّة»، و«كلّن يعني كلّن»، لكنّ رواجها خفت مع خسائر الثورة التشرينيّة في الشارع والسياسة وعودة الثورة المضادة للأحزاب المزمنة واستيلائها المنافق، مرّة جديدة، على شعاراتنا ونضالاتنا وقضايانا. صحيحٌ أنّ شعاراتنا فقدت رواجها، لكنّ بهتان الشعار لا يمسح صحّته. وفقًا للتاريخ: المنتصر يسود. لكنّ لبنان المستقبل، الذي يسطع فيه مواطنوه، لن يُبنى إلّا على أكتاف من هتفوا يومًا، بغير نفاق: كلُّن يعني كلُّن. حينها قد نُهدي منظومة الفساد والنهب والنترات والمافيا والميليشيا والبنكرجية والبلطجية شارعًا بإسمها، أو نقلّدها وسامًا رفيعًا تقديرًا لجهودها الخلّاقة والجبّارة في خراب البلد.