عيد الجيش الثمانون: هل حان وقت المهمّة الكبرى؟
عيد الجيش الثمانون: هل حان وقت المهمّة الكبرى؟
منذ حرب نهر البارد عام 2007، مرورًا بتحرير الجرود عام 2017، وصولًا إلى التصدي للجيش الإسرائيلي على الخط 29، أثبت الجيش أنّه، عندما يُمنح القرار، يُنجز.
ثمانون عامًا مرّت على تأسيس الجيش اللبناني. ثمانون عامًا من المحطات العصيبة، من المعارك على الحدود وداخل الدولة، من التهديدات الوجودية والإنقسامات الطائفية، من الصمود الشعبي. ومع دخول الجيش عقده التاسع، يطرح اللبنانيون سؤالًا واحدًا: هل آن أوان المهمة الأهم؟ هل آن أوان إحتكار السلاح؟
عقيدة أقوى من الإنهيار
في بلدٍ نخره الفساد وابتلعته الأزمات، بقي الجيش المؤسسة الوحيدة التي حافظت على الحد الأدنى من التماسك. لا لأنّ ظروفه كانت أفضل، بل لأنّ عقيدته الوطنية كانت أقوى من الإنهيار.
حين انهارت الليرة، وتقلّصت رواتب الجنود إلى أقل من مئة دولار، لم تنهَر المؤسسة. وحين انتفض الشارع، لم يصطفّ الجيش ضد الشعب. وحتى عندما طُلب منه القمع، إختار التهدئة. وفي عزّ الكارثة، سمح لعناصره بالعمل خارج الدوام، وأبقى الطبابة كما كانت.
ليس هذا ترفًا. بل إنعكاس لعقيدة راسخة ترى في المواطن شريكًا لا خصمًا، وفي الدولة مشروعًا يستحق التضحية، حتى في غيابها.
جيش ما بعد الانهيار: مهمّة بلا رجعة
اليوم، لم يعُد المطلوب من الجيش مجرّد الصمود. بل التقدّم. المهمة التي طال انتظارها منذ عقود باتت على الطاولة: نزع السلاح غير الشرعي، وبسط سيادة الدولة على كل شبر من أراضيها.
وللمرة الأولى، يبدو أنّ هناك قرارًا سياسيًا – ولو جزئيًا – يمهّد لذلك. التوقيفات في معاقل كانت «محرّمة»، والمداهمات في الضاحية، واستهداف معامل الكبتاغون ومراكز التهريب، كلّها ليست صدفة. بل خطوات في مسار جديد.
المصادر العسكرية تؤكّد: «نحن مستعدّون لاحتكار السلاح. القرار ليس عسكريًا بل سياسيًا. ولكن عندما يصدر القرار، نحن جاهزون».
بين القرار 1701 والمواجهة المؤجلة
فالجيوش لا تُبنى لتوزيع الورود، بل لتنفيذ المهمات الصعبة، بما فيها مواجهة السلاح الخارج عن الشرعية. وإذا لم يُحسم هذا الملف الآن، فإنّ أي محاولة لبناء الدولة ستبقى ناقصة. فهل يُكتب للجيش أن يطبّق القرار أخيرًا؟ أم سيبقى رهينة «التفاهمات»السياسية المعلّقة؟
من نهر البارد إلى الجنوب: معارك رسّخت الثقة
منذ حرب نهر البارد عام 2007، مرورًا بتحرير الجرود عام 2017، وصولًا إلى التصدي للجيش الإسرائيلي على الخط 29، أثبت الجيش أنّه، عندما يُمنح القرار، يُنجز.
47 شهيدًا سقطوا للجيش في الحرب الإسرائيلية الأخيرة. من بينهم الرائد محمد فرحات، الذي واجه جنود الجيش الإسرائيلي.
الحدود البرّية والبحرية: سيادة منقوصة
رغم الجهود المضنية لضبط الحدود، تبقى المهمة غير مكتملة. تهريب السلاح، البشر، البضائع، هو نزيف مستمر. والسبب، كما تقول القيادة العسكرية، ليس في نقص الإرادة، بل في نقص الإمكانات.
مراكز متواضعة، أجهزة مراقبة محدودة، وقوى بشرية غير كافية. هذا واقع الجيش اللبناني اليوم. ومع ذلك، فإنّ الإنجازات حقيقية. عمليات المداهمة تتوالى. والشراكة مع الدول الصديقة، من قطر إلى الولايات المتحدة، لا تزال ركيزة أساسية للدعم، وإن كانت غير كافية.
هل اقترب الحسم؟
في المضمون، يُجمع اللبنانيون على أنّ لا بناء لدولة إلا بجيش واحد وسلاح واحد. لكن في السياسة، تبقى الحسابات معقدة. البعض يخشى الصدام مع حزب الله، وآخرون يخشون ضياع فرصة الإنقاذ الدولية إذا لم يُضبط السلاح.
وحده الجيش يقف في المنتصف، ملتزمًا بالدستور والقرار السياسي. ولكن إلى متى يمكن تأجيل المواجهة الحتمية؟ وماذا لو بقي السلاح خارج الدولة؟ من يضمن عندها بقاء لبنان نفسه؟
الجيش: ما تبقّى من الدولة
في زمن الإنهيارات، لم يبقَ من الدولة إلا الجيش. لا قضاء موحّدًا، لا إدارة فاعلة، لا عملة مستقرة. ولكن هناك جيش. مؤسسة وحيدة لم تُهزم. لا لأنّ أحدًا دعمها، بل لأنّها قررت ألا تسقط.
ولهذا، فإنّ الجيش ليس فقط قوة عسكرية، بل هو اليوم آخر أمل لبقاء لبنان ككيان. لا كمنطقة جغرافية فقط، بل كفكرة.
في عيده الثمانين... الجيش بانتظار الضوء الأخضر
الجيش، حين يلتزم، لا يساير. واليوم، هو ملتزم. بانتظار القرار.
القرار الذي، إن اتخذ، سيُدخل لبنان مرحلة جديدة: دولة قادرة، بجيش محترف، بسيادة كاملة. أما إن تأخّر، فسنبقى في الإنتظار... إلى أن لا يبقى ما ننتظره. عيد الجيش ليس مجرد مناسبة للإحتفال. بل مناسبة للتذكير: لا وطن بلا جيش، ولا جيش بلا قرار.