بالفيديو - زياد الرحباني: مؤرخ الوجع اللبناني... ومستشرف المستقبل الذي حذّر منه
بالفيديو - زياد الرحباني: مؤرخ الوجع اللبناني... ومستشرف المستقبل الذي حذّر منه
لم يدخل عالم المشاهير ظلّ مواطناً مبدعاً، لبنان في غياب زياد يخسر من رونقه
زياد الرحباني، أول ما يقال عنه مؤرخ التاريخ الحي للبنان في حروبه وويلاته وتشتت أبنائه
هو اليساري الشيوعي، الغاضب والمتمرد والمثقف النقي، يشترك مع فيروز بأنّه جامع أضداد اللبنانيين، وجامع الحداثة الى الأصالة، أينما كان زياد تتقبله لأنّ العباقرة من طينته يرون ما لا يراه الآخرون خارجون عن المألوف والإستنساخ الآلي للأفكار والتنظير، رافق وجدان اللبنانيين في أيامهم السوداء، وقال لهم عما يقلق حياتهم ببصيرة لم تتوفر إلا لمبدعين إستثنائيين.
إبن عاصي وفيروز ، أللذان أضاءا أيام اللبنانيين بصورة الوطن الجميل، وأسعدا شعوب هذا المشرق، هو شخصية من الكبار، إخترق مجد عاصي ومنصور وفيروز، لم يتكأ على إرث والديه أسس ذاكرة لبنانية خاصة به بمحاذاة الذاكرة الرحبانية في الفكر والموسيقى. ذاكرة زياد غاضبة، شجاعة، عبقرية، كلماته كانت منبهاً للغفلة الاجتماعية والسياسية، فكان إضافة عبقرية لمجد الرحابنة، شغله الإنسان والعدالة وحرية الشعوب. سخريته السوداء تحاكي موليير وشارلي شابلن، تضحكنا وفي أعماقنا وجع، لقد حوّل أوجاعنا الى ضحكة وهي صفات العظماء، ما من لبناني إلا ويحفظ قولاً لزياد، ما من لبناني إلا ويقول لك زياد الرحباني ترك شيئاً في نظرتي لواقع البلاد، إن لم نقُل إجابة على ما يحيط به من قلق وهموم وغضب من جهل وصراعات متناسلة ، يقول لك ما تواجهه يومياً يعيق حياتك ولا تلاحظه.
كثيراً ما حاول محاوروه في الإعلام تصويره كاتباً كوميدياً وصاحب نكتة، فيما زياد محلل سياسي بامتياز سبق أصحاب الكار بأشواط، لقد استشرف المستقبل، وامتلك الحدس العجيب، الى حدّ النبوءة، في قراءة الآتي فلم يغرق في اللحظة الحاضرة، ناقداً للحياة السياسية والإجتماعية، عن قبح الطائفية «بالبرغل في طائفية»،واسطورة التعايش والشراكة، والعنف والفساد، وعبثية الحروب اللبنانية ومؤيديها وزعمائها، لقد قال في مؤتمر صحفي عند عرض مسرحيته «بخصوص الكرامة والشعب العنيد «واصلين لمرحلة ما بيعود شي بيضحك من كتر الغلط» هو العقل النظيف الذي ما ساوم يوماً على قناعته، قال في إحدى المرات «يستيقظ الناس يومًا ما، حتى لو استغرق الأمر بعض الوقت. أحيانًا، يستغرق الناس وقتًا طويلاً للاستيقاظ، لكنهم في النهاية سيستيقظون»
إنحاز لقضايا المضطهدين. خلال برنامجه الحواري السياسي «بعدنا طيبين.. قولوا الله»، الذي بثته الإذاعة الوطنية اللبنانية بين عامي ١٩٧٦- ١٩٧٧ بعد عام واحد من إندلاع الحرب الأهلية، وانتقد بشدة السياسيين اللبنانيين اليمينيين. وكمؤلف مسرحي، كتب «سهرية» عام ١٩٧٣ ولحّن موسيقاها، ثم ابتعد الرحباني عن الأسلوب الذي عُرف فيما بعد بمدرسة الرحابنة واستخدم الدراما كوسيلة للأغاني ولمواقفه السياسية. مسرحياته تضمنت سخرية سوداء حادة من الواقع السياسي والاجتماعي في ذلك الوقت. بدءًا من «نزل السرور» (١٩٧٤)، و«بالنسبة لبكرا شو؟»(١٩٧٨)، و«فيلم أميركي طويل» (١٩٨٠)، و«شي فاشل» (١٩٨٣)، و«بخصوص الكرامة والشعب العنيد» (١٩٩٣)، و«لولا فسحة الأمل» (١٩٩٤)
لم يدخل عالم المشاهير وتلميع التفاهة، زياد كان مواطناً مبدعاً، في زمن الخسارات الكبيرة، لبنان في غياب زياد الرحباني يخسر شيئاً من رونقه، ويحزن اللبنانيون عليه وعلى حزن فيروز