ميقاتي كومبارس.. والحمار القبرصي بطلُ الفيلم الأوروبي

ميقاتي كومبارس.. والحمار القبرصي بطلُ الفيلم الأوروبي

  • ٠٥ أيار ٢٠٢٤
  • عبدالله ملاعب

تراجع لبنان عن قراره في مواجهة المجتمع الدولي، وحلَّ هذا الأخير مُعضلة شَغَلَت القبرصي والمفوصية الأوروبية لبعض الوقت. ولم يبقَ متاحاً أمام حكومة ميقاتي إلّا التمثيل، مع كبار ممثلي المنطقة، الرئيس السوري بشار الأسد،

يقول المؤرخ والفيلسوف البولاندي «لشك كولاكفسكي»، الذي اشتهر بنقده الماركسيّة، «في السياسة ليس ثمَّة ما يُبرّر انخداعك»، ويقصد بذلك، أنَّ ما من شيء يُسعف صنَّاع القرار الذين يَخفقون في حساباتهم، أو يفهمون أمراً على عكس حقيقته. فعلى صاحب القرار الذي انخدع، التسليم بفشله دون لفّ أو دوران. فإن كان الإنسان العادي قد أُعطيَ هامشاً للإخفاق والإنخداع، إلّا أنَّ هذا الهامش غيرمبرّر لدى السياسيّين في قاموس «كولاكفسكي»، لا بل على فخامته أو دولته المخدوع، التنحي فوراً! 

تعود تلك المقولة إلى ذهني، بعد الفيلم الأوروبي الطويل الذي قادته رئيسة المفوضيّة الأوروبية «أورسولا فون دير لاين»، التي اشتهرت منذ شباط ٢٠٢٢، بسبب زياراتها المكوكيّة إلى كييف حيث كانت تلتقي الرئيس الآتي من حقل التمثيل، «فولديمير زيلينسكي»، بإطلالات كانت دائماً باللّونين الأزرق والأصفر، تضامناً مع أوكرانيا بوجه «الوحش الروسي».

«فون دير لاين»، بطلة الفيلم الأوروبي الذي عُرِض في لبنان، إنَّما كُتِب السيناريو له في نيقوسيا، العاصمة القبرصية، فاستحقّ الرئيس القبرصي «نيكوس خريستودوليدس» دوراً بطولياً أيضاً، لأنَّه ساهم بتأليف سيناريو الفيلم الأوروبي الطويل الذي عُرِض في السراي الكبير، أمام دولة الرئيس نجيب ميقاتي، الذي خُدِعَ فقرَّر عدم الإعتراف بانخداعه، بل عرض جزء جديد من الفيلم الأوروبي الطويل، بشكل تفاعلي يتماشى مع زمن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إذ أصبح المشاهد، ممثلا بل أيضاً بطلاً في الجزء الثاني من الفيلم الأوروبي الطويل! 

ففي التفاصيل، تعود قصَّة الفيلم الأوروبي الطويل الذي يتناول أزمة النزوح السوري إلى شباط من العام الجاري، تحديداً إلى 12 شباط يوم قرَّر لبنان خرق الإتفاق الذي وقَّعه منذ سنوات مع الجزيرة القبرصية، والذي تعهّد فيه آنذاك، إعادة المهاجرين غير الشرعيين الذين يغادرون من البحر اللّبناني، عبر قوارب الموت، إلى قبرص. 

ففي ذلك اليوم، أي 12 شباط 2024، رفض لبنان استرجاع 116 مهاجراً من النازحين السوريين، وكرَّت سُبحة الحوادث المماثلة، التي ترافقت مع حملة «UNDO THE DAMAGE» التي تابعها اللبنانيّون عبر قناة الـMTV. 

وبعد اغتيال باسكال سليمان، الذي قضى على يد عصابة من السوريّين، تكرَّرت أيضاً حوادث رفض لبنان استرجاع سوريين ركبوا البحر من شواطئه إلى قبرص. إنَّما تلك الحادثة تحديداً كانت قد ترافقت مع حفلة جنون أكبر على النازحين السوريين، قادها حزب «القوات اللّبنانية»، الذي أسقط من قاموسه مصطلحات كثيرة اعتدنا على سماعها من العام 2014، كـالعودة الآمنة للنازحين، ومغبّة ردّهم إلى «النظام السوري المجرم»، والحاجة إلى «ضمانات». 

إلا أنَّ رئيس الجزيرة التي تتخذ من «الحمار» شعاراً لها، لأنَّ فصيلة من الحمير، من  النوع الذكي إن جاز القول عن غير العاقل والقوي البنية، سكنت فيها منذ ما قبل اليونانيين والأتراك، لم يتابع أو على الأقل لم يكترث لحفلة الجنون ضدّ النازحين، بل تابع عن كثب وخوف الحوادث المتكرّرة التي رفض فيها لبنان استرجاع السوريين. فركب «خريستودوليدس» طائرته وأتى إلى بيروت في ٨ نيسان ٢٠٢٤، لحل أزمته لا أزمتنا. فالجزيرة الصغيرة، التي لا يجمع بين شقيها التركي واليوناني، إلا تقديرهم للحمار القبرصي، دخلت في حالة طوارئ، بعد دخول ٢٠٠٠ لاجئ سوري إلي أراضيها، بين كانون الثاني وآذار ٢٠٢٤.

في اللّقاء الذي عقد في السراي الكبير، والذي أتى في وقت كان فيه خطاب «الكيل الذي طفح» من النازحين السوريين قد تبناه ميقاتي، قِيل إنَّ الرئيس القبرصي وميقاتي اتفقا على أن تقوم قبرص بمسعى لدى الإتحاد الأوروبي لوضع إطار عملي مع لبنان للقيام بخطوتين: منح الحكومة اللبنانية المزيد من المساعدات الضرورية وإعطاء النازحين السوريين حوافز للعودة إلى بلدهم.

إلّا أنَّ الرئيس القبرصي عاد إلى بيروت، في الأسبوع الماضي مع رئيسة المفوضية الأوروبية، وفي جعبتهما هبة أوروبية، تَعطي الحكومة اللّبنانية مساعدات إضافية لإبقاء النازحين السوريين في لبنان، ولا تحاكي لا من قريب أو من بعيد، ما هو مطلوب لإعادة النازحين إلى سوريا. فكانت النتيجة صفقة المليار يورو التي تبقي على النازحين في لبنان، وتمنع تدفقهم إلى قبرص، ومنها إلى أوروبا.

وعلى هامش تلك الصفقة، جرى الحديث عن تسهيلات قد تؤَّمن لهجرة «لبنانية موسميّة» إلى أوروبا، بهدف العمل. ويبقى هذا الأمر مشروطاً ببقاء النازحين في لبنان. فخرجت «فون دير لاين» وصديقها الأوروبي القبرصي «خريستودوليدس»، بانتصار كبير، وبقي ميقاتي مخذولاً، متنحياً عن موقفٍ قاله قبل الزيارة، مفاده أنَّ لبنان سيطلب من الأوروبيين إعطاء الأموال إلى السوريين في بلدهم عبر نقلهم إلى المناطق الآمنة في سوريا.

ولكن، الأكيد أنّ المفوضية الأوروبية ستسمح بصرف هبة المليار يورو، التي ستُعطى على مراحل، بالشكل الذي تريده الدولة اللّبنانية، طالما أنَّها حلَّت مشكلتها وعاد لبنان لاحترام إتفاقية إعادة اللاجئين إليه، الذين سيحاولون اللّجوء إلى أوروبا عبر بوابة العبور القبرصية.

في المُحصّلة، تراجع لبنان عن قراره في مواجهة المجتمع الدولي، وحلَّ هذا الأخير مُعضلة شَغَلَت القبرصي والمفوصية الأوروبية لبعض الوقت. ولم يبقَ متاحاً أمام حكومة ميقاتي إلّا التمثيل، مع كبار ممثلي المنطقة، الرئيس السوري بشار الأسد، والسيناريو هو إعادة تفعيل ملف ترحيل السجناء السوريين الـ٢٥٠٠ من السجون اللّبنانية إلى سجون سوريّة. هذا الملف الذي جرى البحث فيه أواخر نيسان الماضي، وكأنَّ الأسد الذي استفحل بتغيير ديموغرافية المناطق التي هجَّر أهلها، يريد أو يهمه استعادة السوريين من لبنان أو العالم. 
أمام هذا كلّه، أمام الإنتصار القبرصي والأوروبي، يبقى السؤال: من هو المخدوع، الذكي اللبناني ، أم الحمار القبرصي الذي وصل الى وجهته المناسبة؟