الصراع البارد بين القاهرة ودمشق… من يحتكر دور الوسيط؟
الصراع البارد بين القاهرة ودمشق… من يحتكر دور الوسيط؟
إنّها حرب باردة صامتة ولكنها حقيقية. والصراع فيها ليس على من يبدأ الحرب بل على من يوقع ورقة السلام في النهاية.
طوال عقود كانت مصر تعتبر الدولة التي تفكك الإشتباكات في الشرق الأوسط. كانت تتمتع بعلاقات طبيعية مع القوى العسكرية المؤثرة مثل تركيا وإيران وإسرائيل وبعلاقات متينة مع القوى المالية مثل المملكة السعودية والإمارات وقطر. لذلك تحولت القاهرة الى مركز ثقل سياسي وملف الوساطة كان من إختصاصها وحدها تقريباً. ولكن هذه المعادلة لا تبدو ثابتة اليوم. هناك لاعب جديد يتحرك في الخفاء وفي العلن وهو سوريا.
المشهد الإقليمي يشير الى أن دمشق تحاول استعادة موقع سياسي يسمح لها بأن تكون وسيطاً. عودة الحرارة مع السعودية. تطور العلاقات مع تركيا. مؤشرات على مسار تطبيع غير معلن مع إسرائيل. كل هذه الخطوات ترسم اتجاه واحد وهو أنّ سوريا تحاول أن تتحول الى منصة للتسويات بعد أن كانت لسنوات مساحة صراع.
مصادر دبلوماسية غربية تتحدث عن تحولات في طريقة مقاربة الغرب لسوريا. هناك من يروج لفكرة أنّ أبو محمد الجولاني أحمد الشرع يمثل قناة قابلة للاستخدام في مرحلة هندسة التسويات الجديدة. رجل يعرف كيف يتحدث مع الغرب وكيف يقدم نفسه كجزء من الحل وليس جزء من العقدة. وهذا يعني أنّ النظام السوري بدأ يفكر في استعادة دور الوسيط السياسي بعدما كان دوره محصورا في الأمن والعسكر فقط.
وفي لبنان تحديدا تحاول القاهرة أن تسبق دمشق في تثبيت أي إطار تهدئة. وقد حاولت مصر في الأسابيع الأخيرة بناء مسار تسوية. لكن هذا المسار فشل بحسب مصادر دبلوماسية لبنانية. لأنّ القاهرة نصحت الحكومة اللبنانية بأن تذهب مباشرة الى التفاوض غير المباشر مع إسرائيل عبر قناة واضحة وشفافة. لكن الحكومة اللبنانية رفضت هذا الخيار. وبذلك سقطت أول محاولة مصرية لإثبات أنّها ما زالت تمسك بمفتاح الوساطة.
في المقابل هناك إرادة واضحة لدى إسرائيل لإضعاف الدور المصري. لأنّ مصر دولة ضخمة ومجتمع يتجاوز مئة وخمسة عشر مليون إنسان. دولة بهذا الحجم يمكن ان تشكل خطرا استراتيجياً اذا قررت في أي يوم أن تعود الى موقع المواجهة. بينما سوريا دولة منهكة ومقسمة داخلياً ويمكن للغرب توجيهها بسهولة في المسار الذي يناسبه.
من هنا يولد سؤال المرحلة المقبلة. من سيكون الوسيط في الشرق الأوسط عندما تبدأ التسويات الكبرى بعد الحروب القائمة. هل ستبقى مصر ممسكة بمفتاح التهدئة وتثبيت الاستقرار. أم سنرى دمشق تدخل من الباب الخلفي وتتحول الى الوسيط الجديد المقبول دولياً.
إنّها حرب باردة صامتة ولكنها حقيقية. والصراع فيها ليس على من يبدأ الحرب بل على من يوقع ورقة السلام في النهاية.

