«روبلوكس»: بين الترفيه والتهديد الخفي للأطفال والمراهقين
«روبلوكس»: بين الترفيه والتهديد الخفي للأطفال والمراهقين
طبيعة روبلوكس المفتوحة تسمح لأي مستخدم بإنشاء لعبة جديدة ونشرها
في عالم إفتراضيّ تتلاشى فيه الحدود بين الخيال والواقع، يجتمع ملايين اللاعبين من مختلف أنحاء العالم ليبنوا ويكتشفوا ويتفاعلوا في فضاء رقميّ واحد.
هذا العالم هو لعبة «روبلوكس»، المنصّة التفاعلية التي تحوّلت إلى ظاهرة عالمية بين الأطفال والمراهقين، إذ تتيح لهم تصميم ألعابهم الخاصة أو خوض مغامرات داخل ألعاب أنشأها الآخرون.
بمظهرها الكرتونيّ البريء، تبدو روبلوكس مساحة آمنة للمتعة والتعلّم، لكنّ ما تخفيه خلف واجهتها الملوّنة أخطر بكثير مما يتخيّله الأهل.
تضمّ روبلوكس ملايين الألعاب المتنوّعة التي تحاكي أنشطة الحياة اليومية، من «الهروب من السجن» إلى «العمل في مطعم بيتزا» أو «النجاة من كارثة طبيعية». هذه التجارب تشجّع على التعاون والخيال والإبداع، ما يجعلها بيئة جذّابة للأطفال. لكنّ الوجه الآخر لهذه المنصّة يكشف عن مخاطر رقمية متزايدة، حيث أظهرت تقارير عدّة أنّ الأطفال يتعرّضون أحيانًا إلى محتوى غير ملائم وسلوكيات مريبة.
أسماء خطرة على «روبلكس»
بعض الألعاب تشجّع على القتل أو القتال بأسلحة واقعية أو حتى الإعتداء على الآخرين، تحت عناوين مثل: Murder Mystery 2" Bloody Battles"،Killer in the House
وألعاب فيها تحريض أو إساءة للآخرين مثل "Punch a Homeless Man" (اضرب متشرّد)
"Beat Your Wife"
وغيرها الكثير والكثير من الألعاب، المنتشرة في العالم الغربي والعربي.
وفي أحدث القضايا المرتبطة بهذه اللعبة، كشف في العراق عن مراهق كان يدير 16 شبكة عبر لعبة روبلوكس، إستدرج من خلالها ضحاياه من الأطفال والمراهقين.
تُظهر هذه الحادثة كيف يمكن أن تتحوّل أدوات التواصل داخل اللعبة إلى وسيلة إستغلال خفيّة، خصوصًا في ظلّ ضعف الرقابة وصعوبة تتبّع الأنشطة داخل العوالم الافتراضية.
خطر يتسلّل عبر اللعب
تحقيقات شبكة CBS News كشفت مثلًا أنّ لعبة "Spray Paint!" – وهي من أكثر الألعاب شعبية على المنصّة بعد أن تجاوز عدد زياراتها المليار مرة تُستخدم أحيانًا لنشر رسائل كراهية عبر رسومات الجدران الإفتراضية. وثّقت الشبكة عشرات الرموز النازية وخطابات معادية للأقليات داخل اللعبة، ما يدلّ على سهولة التحايل على أنظمة الرقابة في روبلوكس.
الخطورة تكمن في أنّ ملايين الخوادم المفتوحة التي تسمح باللعب مع أصدقاء وغرباء على حدٍّ سواء، يجد الأطفال والمراهقين أنفسهم في فضاء واسع ومتعدّد الأطراف بلا رقابة فعليّة.
الأمر لا يتوقّف عند الرسومات المسيئة. فقد أشارت دعاوى قضائية متعدّدة إلى استخدام روبلوكس لاستدراج الأطفال واستغلالهم جنسيًا. ففي نيسان الماضي، أُوقف مراهق في فلوريدا بتهمة ابتزاز أطفال عبر «روبلوكس» و«ديسكورد»، كما رفعت أسرة فتاة في تكساس دعوى بعد تعرّض إبنتهم (13 عامًا) للتغرير والإستغلال عبر اللعبة. وتتابع السلطات مئات القضايا المشابهة في الولايات المتحدة، من بينها حالات خطف واعتداءات ارتُكبت بعد تعرّف المجرمين إلى الأطفال على المنصّة.
ورغم تأكيد الشركة أنّها «"تشعر بقلق بالغ إزاء أي حادث يعرّض المستخدمين للخطر»، فإنّ الواقع الرقميّ يشير إلى فجوات كبيرة في الرقابة والحماية.
تحقيقات صادمة ومحتوى مريب
تقرير صادر عن شركة الأبحاث «هيندنبرغ ريسيرتش» وصف روبلوكس بأنّها «جحيم للأطفال»، كاشفًا عن وجود نحو خمسين مجموعة من البالغين تضمّ أكثر من 100 ألف عضو يتبادلون محتويات غير قانونية ويطلبون ممارسات جنسية من قاصرين. الأخطر أنّ هذه المجموعات كانت متاحة للأطفال دون 13 عامًا، ما يجعلها تهديدًا مباشرًا للفئة الأكثر هشاشة على المنصّة.
إلى جانب ذلك، الأمر الأكثر تخديداً أنّ طبيعة روبلوكس المفتوحة، تسمح لأي مستخدم بإنشاء لعبة جديدة ونشرها. وقد ظهرت ألعاب تسوّق لأسماء وجماعات ارتبطت بفضائح جنسية تجرى حولها محاكمات وعقوبات قانونية، مثل «الهروب إلى جزيرة جيفري إبستين» نسبةً إلى الملياردير الأميركي المتهم بالإتجار الجنسي، و"Run from P. Diddy" التي تشير إلى مغنّي الراب المتّهم بقضايا مشابهة. كما وُجدت ألعاب تُشجّع على العنف، بينها واحدة تتضمّن ضرب المشرّدين وأخرى تدعو إلى «ضرب الزوجة»، وقد تجاوز عدد اللاعبين فيها المليون قبل حذفها.
هذه الأمثلة وحدها تُظهر إلى أيّ مدى يمكن أن تتحوّل بيئة الترفيه الرقمي إلى ساحة لنشر الكراهية والعنف والانحراف السلوكي.
متعة مشروطة بالحذر
رغم جهود الشركة لتحسين الرقابة وتعزيز أنظمة الأمان، تبقى روبلوكس مساحة محفوفة بالمخاطر إذا تُرك الأطفال فيها دون توجيه أو إشراف، حيث ينصح الخبراء الأهل بعدم اللجوء إلى المنع الكامل، بل اللعب مع أطفالهم ومتابعة ما يشاهدونه ويشاركونه، مع إبقاء الأجهزة في أماكن مشتركة في المنزل، وفتح نقاشات صريحة حول الأمان الرقميّ. فالتربية الرقمية لا تقوم على الخوف بل على الوعي. وحده الحوار المفتوح يجعل الطفل قادرًا على التمييز بين اللعب الآمن والخطر، وبين الترفيه والتلاعب.
بالمحصّلة، يبقى لعالم «روبلوكس» وجهًا مزدوجًا: منصّة للخيال والإبداع من جهة، ومجالاً خصبًا للمخاطر الخفية من جهة أخرى. فبينما تمنح الأطفال فرصة لتصميم عوالمهم الخاصة، تفتح في الوقت نفسه أبوابًا على عوالم أخرى لا تقلّ خطورة عن الواقع، بل ربما تتجاوزه بتأثيرها النفسي والسلوكي.

