حين يصبح الهامش مكانًا للحرية: من هم «الأوتروفيرت؟»
حين يصبح الهامش مكانًا للحرية: من هم «الأوتروفيرت؟»
«الأوتروفيرت» ليسوا إنطوائيين أو خجولين، بل هم أشخاص يفضلون التفاعلات الفردية العميقة على التفكير الجماعي
في عالم يُسارع إلى تصنيف البشر بين «إنطوائيين» يفضلون العزلة، و«منفتحين» يزدهرون وسط الحشود، هناك فئة ثالثة تمرّ بهدوء، لكنها مختلفة تمامًا.
إنّهم ال «Otroverts» الأوتروفيرت، أولئك الذين لا يشعرون بإنتماء حقيقي لأي طرف، ولا يسعون إليه أصلاً.. وهو مصطلح جديد في علم النفس قد تقارب ترجمته الى العربية مصطلح الغيريّ.
هم لا يخشون الناس، ولا يتجنّبون التواصل، لكنهم يفضّلون العلاقات العميقة على التجمّعات، ويختارون الهامش عن قصد، لأنهم ببساطة، لا ينظرون حيث ينظر الجميع.
أطلق الطبيب النفسي الأميركي رامي كامنسكي هذا المصطلح في العام 2023. ويعود أصل الكلمة إلى الإسبانية « otro » بمعنى «آخر»، واللاتينية «vertere » بمعنى «التحوّل» أو «التوجيه»، لتُعبّر عن شخصية لا تنتمي تمامًا إلى الإنطوائيين أو المنفتحين، بل تتوجه في إتجاه مختلف.
كامنسكي، الذي أسس «معهد الآخرية» The Otherness) Institute)، لاحظ هذه السمة في نفسه منذ طفولته، حيث شعر بالعزلة رغم تفاعله الإجتماعي، و في كتابه «هدية عدم الإنتماء» (The Gift of Not Belonging)، يصف الأوتروفيرت بأنّهم أفراد يتمتعون بالإستقلالية العاطفية، يفضلون العلاقات العميقة على الإنتماء الجماعي، ويشعرون بالراحة على هامش الجماعات.
على الرغم من أنّ المصطلح لم يُعتمد بعد في الأدبيات العلمية الرسمية، إلا أنّه بدأ يكتسب إنتشارًا في الأوساط النفسية والثقافية، خاصة في ظلّ تزايد الإهتمام بالتنوّع الشخصي والهوية المستقلة،
هذا التوجّه الفريد لا ينعكس فقط على طريقة الأوتروفيرت في التفكير أو التفاعل الإجتماعي، بل يمتد بوضوح إلى سلوكهم في مختلف جوانب الحياة اليومية، من العمل إلى العائلة، وصولًا إلى علاقاتهم العاطفية، حيث يعيدون تعريف مفاهيم كالنجاح، والإنتماء، والحبّ، وفق منظومة داخلية خاصة لا تتشابه مع السائد.
ففي علاقاتهم العاطفية، يسعى الأوتروفيرت إلى بناء روابط تقوم على الإحترام المتبادل، والمساحة الشخصية، والإتصال العميق.
ففي عالم العلاقات حيث يظن الكثيرون أنّ القرب يعني الإحتكاك المستمر، يثبت الأوتروفيرت أنّ الحب يمكن أن يكون قربًا بُعيدًا، يجمع بين الحضور والحرية، بين الإتصال والخصوصية.
حتى خارج إطار علاقاتهم العاطفية، يظهر الأوتروفيرت نمطًا مميزًا في طريقة تفاعله مع العالم من حوله. في سوق العمل، لا يسعى الأوتروفيرت ليكون في مقدمة الحشود أو المتحدّث الرسمي، لكنه ينجح في أداء مهامه بكفاءة عالية، مفضلاً العمل المستقل أو ضمن فرق صغيرة حيث يستطيع التعبير عن أفكاره بحرية دون ضغوط الإنتماء الجماعي.
أما في العائلة، فإنّ الأوتروفيرت قد لا يكون الأكثر صخبًا أو حضورًا في الإجتماعات الكبيرة، لكنه يبني روابط عميقة ومستقرة مع أفراد الأسرة الذين يشاركونه قيم التواصل الحقيقي والإحترام الشخصي. يتسم بحبّه الدافئ، لكنه يحتاج أحيانًا إلى الإنسحاب المؤقت لاستعادة توازنه الداخلي.
الأوتروفيرت ليسوا منعزلين أو خجولين، بل هم أشخاص يواجهون الحياة من زاوية مختلفة. فيحتفلون بغرابتهم ويعيشون بحرية دون قيود الإنتماء الجماعي، مما يجعلهم فريدين وقادرين على إحداث تغيير حقيقي في العالم من حولهم.