بالفيديو: البروفسور فيليب سالم.. من سماء بطرام إلى قهر السرطان.. قصة علم نسجته المحبّة
بالفيديو: البروفسور فيليب سالم.. من سماء بطرام إلى قهر السرطان.. قصة علم نسجته المحبّة
«الطب أعلى مراتب العطاء فيه تنازل عن الأنا وإعلاء لقدسية المريض»
في قرية صغيرة إسمها بطرام شمال لبنان كان هناك صبي ينظر إلى النجوم ويتساءل لماذا يمرض الناس؟ ولماذا يموتون؟ كان فضوله أكبر من عمره، وحزنه على المرضى أعمق من أن يقال، لم يكن يعرف أنّ هذا الحزن سيتحول علماً، وأنّ هذا العلم سينقذ الألم، كبر الصبي، ودخل كلية الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت حيث تفتحت الأسئلة وتشعبت الطرق واختارت الطريق الأصعب، طريق مواجهة السرطان وفي بلاد بعيدة دخل مختبرات مرهقة وساعات لا تنتهي، راقب الخلية وسهر على أرواح تكاد تنطفئ وسأل نفسه دائماً هل يمكن للحبّ أن يكون علاجاً؟ هل يمكن للعلم أن ينتصر على الألم؟ دكتور فيليب سالم ضيف الحلقة الأولى من برنامج In My DNA مع ريميل نعمة. وهو برنامج يطلّ على تجارب لبنانيين مبدعين صنعوا تجاربهم ونجحوا وحتى صمدوا في لبنان.
لمتابعة الحلقة كاملة على موقع بيروت تايم: يوتيوب ووسائل التواصل الإجتماعي
https://www.youtube.com/watch?v=EcIyL5AzQU4&t=2717s
لبنان: هوية حضارية وسلاح المحبة
- دكتور سالم تقول أنّ لبنان ليس جنسية فقط؟
لبنان ليس مجرد جنسية، بل هو «هوية حضارية» متجذرة في أعماقي. أؤمن بأنّ قيمة هذا الوطن لا تُدرَك إلا عند مغادرته، حيث تتحول الخصوصية اللبنانية إلى سلاحٍ أحارب به في الغربة. هذا السلاح لا يعرفه الأميركيين، هو سلاح المحبّة والرحمة ومعانقة المريض. فلسفتي الطبية، أنّ مريض السرطان ليس مجرد حالة مرضيّة، بل هو إنسان يعاني من القلق والذّل والخوف. لذا، أكرّس ساعة واحدة للعلاج الطبي، وثماني ساعات للدعم الإنساني، لأقوم بدور الصديق والراعي المحبّ الذي يمنح الأمل والدفء، مدركًا أنّ غياب هذا الدفء قد يدفع المريض إلى التوقّف عن العلاج.
الجذور: توازن بين قوة العلم وقوة القلب
وعن جذور هذه الفلسفة الإنسانية يقول إنّها تضرب عميقاً في نشأته. في بيته الوالدي في بطرام فهو ليس مجرد جدران وحجر، بل هو ذاكرته الحيّة الجميلة ودفء والديه وإخوته. من والده، كاتب العدل، تعلّم النزاهة وإحترام القانون، ومن والدته إستقى الحبّ والتواضع وروح الخدمة. هذا المزيج الفريد ساعده على إيجاد التوازن الدقيق بين «قوة العلم وقوة القلب». ورغم إقامته لعقود في أمريكا، ما زال يشعر أنّ بيته في بطرام يشتاق إليه ويحتضنه عند كل عودة، بينما يظلّ منزله الأمريكي حيادياً لا يمنحه الشعور بالانتماء. فهو عندما هاجر الى هيوستن في الولايات المتحدة، راوده شعور أنّ جزءاً كبيراً منه دفن في لبنان وبقي الجزء الباقي تعايش معه، فكانت العائلة هي الملاذ، وأولويته كانت حماية أولاده الأربعة من الحرب الدائرة آنذاك في لبنان.
الوعد الذي أشعل المسيرة
عن حلم الولد الصغير لدراسة الطب قال إنّ حلم الطب لم يكن وليد الصدفة، بل نبع من وعدٍ قطعه في طفولته. كان يراقب والدته وهي تتألم من نوبات مرضية، فتعهد في قرارة نفسه أن يصبح طبيباً ليعالجها. هذا الدافع الشخصي كان الشرارة الأولى. لكن نقطة التحوّل الكبرى التي وجهت مسيرته نحو تخصّص الأورام كانت تجربة أخرى أكثر قسوة. خلال فترة دراسته، رافق إمرأة كانت بمثابة أم ثانية له في بيروت، والتي أصيبت بسرطان المبيض. شهد بأمّ عينيه كيف تجاهل الأطباء أسئلتها وكذبوا عليها وعزلوها، وكيف إلتهمها الألم والخوف. في ليلة من ليالي ألمها الشديد، ناشدته قائلة: «إذا كنت تحبني حقّاً، عليك أن تدرس كيف تعالج الأمراض السرطانية». كان هذا النداء بمثابة وصية حوّلته من طبيب عام ٍإلى محارب شرس ضدّ السرطان.يقول: «أنا درست الفلسفة بعد الطب لكن الفلسفة التي تعلمتها من معالجة الأمراض السرطانية قد تكون الأعمق في العالم. لأنّها دفعتني الى التعمّق في الألم وفي معاناة الإنسان وعظائم الأمور كتحدّي الموت والخوف من المسار المؤلم للموت قبل مواجهة الموت الأخير».
من نيويورك إلى العالم: فلسفة الأمل
في حزيران عام 1968، سافر الدكتور سالم إلى نيويورك ليبدأ رحلته مع السرطان، تاركاً وراءه عائلة عارضت قراره. هناك، يروي كيف واجه صدمة حضارية تمثلت في الفجوة بين فلسفته الإنسانية والنهج الغربي البارد في التعامل مع المرضى. يروي حادثة مفصلية مع أستاذه الأمريكي الذي أخبر مريضاً يونانياً بشكل فجّ أنّه لن يعيش سوى أسبوعين، مما حطّم معنويات المريض. تأثر سالم بشدة لهذا الموقف، وبعد أن أظهر تعاطفه مع المريض، رفض الأخير أن يكشف عليه أي طبيب آخر سواه. والمفاجأة كانت عندما طلبت جاكي كينيدي أوناسيس، التي كانت تربطها صلة بالمريض، لقاء الدكتور سالم شخصياً. كانت تلك الحادثة بمثابة تأكيد مبكر على أنّ منهجه القائم على المحبة والتعاطف وبثّ الأمل هو الطريق الصحيح. وهذا المريض نجا من المرض وعاش 28 سنة. يضيف، أنا اليوم أشعر أنّني في قمة إنجازاتي المهنية منذ 5 سنوات استخدمت أول إستراتيجية علاجية ناجعة وبوابة للشفاء، كانت لمريض وصل الى طريق مسدود طبياً وقد أبكتني النتيجة الإيجابية تأثراً، وتعتبر هذه الإستراتيجية اليوم من أهم علاجات الأمراض السرطانية أو ما يسمى.ICtriplex تستخدم مزيج من العلاج الكيميائي والعلاج المناعي والعلاج المستهدف.
أما عن ردة فعله أمام موت مريض لم يستطِع إنقاذه، فيجيب «أقوم بأقصى ما يمكنني، إن لم أفلح أنحني أمام إرادة الله» مضيفاً «أؤمن بعظمة الله الخالق لهذا الكون، كلما تعمّقت وغصت في المعرفة تقربت من الله» وعن علاقة العلماء بالله والروحانية يقول «أحد العلماء غير المؤمنين الذي ترأس مشروع الخريطة الجينية الذي يُعد أهم مشروع في القرن العشرين، عند إنتهاء المشروع بعد 10 سنوات، كتب كتاباً عن الخريطة الجينية سماه لغة الله». ولطلاب الطب يقول د. سالم، «هذا العمل أعلى مراتب العطاء وفيه تنازل عن الأنا وإعلاء لقدسية المريض».
لبنان والعالم
- هل ترى لبنان حياد أم منخرط في الصراع؟
أنا كنت سأخسر مركزي العلمي في أميركا في الدفاع عن فلسطين. لكنّي أويد الحياد الفاعل لمصلحة لبنان، أرفض أن تطلق أي رصاصة من الأراضي اللبنانية على فلسطين خبرتنا طوال هذه السنين إزاء الحروب والمقاومات العسكرية، كانت خراباً على المقاومين أولاً، وعلى القضية الفلسطينية ثانياً، وعلى القضية اللبنانية ثالثاً. أؤيد كل القضايا المحقّة في العالم العربي ومع الإجماع العربي في جامعة الدول العربية.
- لبنان كيف تراه دولة مدنية أم توازن طائفي؟
حالياً النظام هو نظام طائفي، الإنتماء الطائفي أقوى من الإنتماء الى لبنان، علينا أن ننتقل الى المواطنة والدولة المدنية.
- هل ترى مستقبل لبنان شرقاً أم غرباً؟
أؤمن أنّ لبنان يجب أن يكون من العالم كلّه، لكن الحريّة اللبنانية هي مظهر من مظاهر حضارة الغرب، فلا تجوز التبعية لأحد، نأخذ من ثقافات العالم، ونحترم خصوصيات ثقافات الآخرين، ومن لا يحترمنا علينا ألا نرضخ له، بل نواجهه، إنّ مشكلتنا اليوم، أنّنا لا ندرك كيفية التعاطي مع القوى العسكرية خارج إطار الدولة.
- مقاومة أم دبلوماسية؟
علينا أن نجد سبلاً لإعادة اللبنانيين المختلقين معنا بالرأي والمرتبطين بإيران الى حضن الدولة، هؤلاء أهلنا، لا أوافق على أي إحتكاك عسكري مع المقاومة، وبالمقابل أرفض الدبلوماسية الضعيفة، لدي خشية على لبنان، إن لم يبادر الى دبلوماسية قوية، أما الحوار فلا طائل منه، التجارب أثبتت أنّ كل المحاولات باءت بالفشل فلم تلتزم الأطراف المعنية بكل التعهدات السابقة التي جرت على طاولات الحوار. فلنأخذ القرار 1701 مثالاً، المقاومة طالبت به ووافقت عليه، لذا عليها الإلتزام به، وعليهم تسليم السلاح.
فيليب سالم والرحابنة
كنت أتعاطى مع منصور بمثابة الأخ الأصغر ومن أقرب الناس لدي، كنت كل نهار خميس أتناول الغذاء مع عاصي ومنصور، أنا متذوق لفن الرحابنة وطبيب وصديق لهما.
أنقذت الجامعة الأميركية
- لم توافق على مناصب سياسية عُرضت عليك في أميركا؟
كنت أرى بإمكاني إحداث فرق كبير في الطب، فلم أتولى أي منصب بعيد عن مجالي. إنّما إرتبطت بعلاقة متميزة مع الرئيس بوش فيها الكثير من الصداقة والمحبة، ساعدتني أن أحمي وأنقذ الجامعة الأميركية والجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت، إذ حاولت «إيباك» أو اللوبي اليهودي إيقاف المساعدات وإقفال الجامعة الأميركية في بيروت في محاولتين متكررتين.