سمير جعجع: خطاب المنتصر بين شدّ العصب واستدراج الخصوم
سمير جعجع: خطاب المنتصر بين شدّ العصب واستدراج الخصوم
هل ينجح جعجع في تحويل هذه النبرة الإنتصارية إلى مكاسب إنتخابية فعلية، أم أنّ خصومه سيستدرجونه إلى معارك جانبية تضعف إندفاعته؟ لكن المؤكد أنّ جعجع أعاد إدخال عنصر التحدي في المشهد اللبناني الجامد.
في مشهد سياسي مأزوم يتأرجح بين التعطيل والإستحقاقات الداهمة، أطلّ رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بخطاب واثق حمل في طياته نبرة المنتصر، رافعاً شعار «ما بصح إلا الصحيح». أراد جعجع أن يوصل رسالة واضحة: الزمان دار دورته، وخصوم الأمس، من نظام بشار الأسد إلى حزب الله، وجدوا أنفسهم محاصرين بتطورات إقليمية ودولية غيّرت موازين القوى.
هذا الخطاب لم يكن مجرد موقف سياسي عابر، بل محاولة مدروسة لإعادة رسم صورة جعجع داخل المعادلة اللبنانية. فالرجل الذي خبر السجون والمواجهات السياسية والعسكرية، قدّم نفسه اليوم في موقع الصامد الذي لم تنكسر إرادته، بل خرج أكثر تصلباً وقناعة بخياراته. أراد أن يقول لجمهوره: لقد هُزم خصومي واحداً تلو الآخر، وأنا ما زلت هنا.
في رسالته إلى الداخل اللبناني، ركّز جعجع على التصعيد بوجه حزب الله، محاولاً أن يضع نفسه في موقع رأس الحربة للمعارضة المسيحية والإسلامية على حد سواء. لكنه في الوقت ذاته، غازل الطائفة الشيعية بخطاب بدا وكأنّه يسعى إلى فتح نافذة حوار معها، أو على الأقل كسر الصورة النمطية التي تجعل من القوات اللبنانية خصماً دائماً لها. هذه المزاوجة بين التصعيد تجاه الحزب وإستمالة البيئة الشيعية تعكس رؤية إنتخابية واضحة: تعزيز القاعدة الشعبية المسيحية من جهة، ومحاولة إختراق الساحة الشيعية أو على الأقل كسب تعاطفها من جهة أخرى.
العين الأولى لجعجع تبقى مركزة على الإنتخابات النيابية المقبلة، حيث يسعى إلى تثبيت موقعه كأكبر قوة مسيحية، وربما المرشح الأبرز لرئاسة الجمهورية إذا ما تغيّرت موازين القوى. أما العين الثانية فهي على إستدراج حزب الله إلى ردّ مباشر، بما يشدّ العصب الشعبي ويعيد تسليط الضوء على الصراع المفتوح بين المشروعين: مشروع الدولة ومشروع السلاح. وفي هذا السياق، يمكن القول إنّ جعجع نجح نسبياً، إذ إنّ أي ردّ من الحزب عليه سيضع الأخير في موقع الدفاع بدل الهجوم.
من ناحية أخرى، يقرأ مراقبون خطاب جعجع كجزء من إستراتيجية أوسع لإعادة التموضع على المستوى الإقليمي. فالقوات اللبنانية، التي لطالما كانت مرتبطة بالخيارات الغربية والعربية، تسعى اليوم إلى الإستفادة من التحوّلات الجارية في المنطقة: نهاية نفوذ الأسد، الضغوط الدولية المتصاعدة على إيران وحزب الله، والدعم العربي المتزايد للدولة اللبنانية على حساب القوى غير الشرعية.
في المحصلة، يظهر خطاب سمير جعجع كحلقة جديدة في سلسلة المواجهة السياسية الداخلية، لكنه أيضاً رسالة إلى الخارج بأنّ القوات اللبنانية ما زالت لاعباً أساسياً لا يمكن تجاوزه. غير أنّ السؤال يبقى: هل ينجح جعجع في تحويل هذه النبرة الإنتصارية إلى مكاسب إنتخابية فعلية، أم أنّ خصومه سيستدرجونه إلى معارك جانبية تضعف إندفاعته؟ الجواب رهن بالتطورات المقبلة، لكن المؤكد أنّ جعجع أعاد إدخال عنصر التحدي في المشهد اللبناني الجامد.