الكوكب للسّوريّ: «sorry» لا مكان لك!

الكوكب للسّوريّ: «sorry» لا مكان لك!

  • ٠٧ أيار ٢٠٢٤
  • جورج طوق

أن تكون مرفوضًا ومكروهًا ومهمَلًا من الجميع، تقول الأمّ تيريزا، فذلك أقسى فقرًا عليك مِن فقر مَن ليس لديه ما يسدّ به جوعه.

لاجئون هم السوريّون، في لبنان، أم نازحون؟ مهجَّرون أتوا إليه أم مهاجرون؟ مجرمون يُحاسَبون فيه أم ضحايا يُضطَهدون. فالإتيمولوجيا، أيضًا، لم تُبدِ رغبةً باعتماد تعبيرٍ ينصفهم أو توصيفٍ يوضح ماهيّتهم. لا محبّو النظام السوريّ في لبنان أحبّوا مَن منهم يحبّونه، ولا أعداؤه فيه أحَبّوا مَن يعادونه. فلا صديقَ صديقِهم صادَقهم ولا عدوَّ عدوِّهم. حتّى المثل الشعبيّ لم يتكبّد عناء تطبيق حِكمته عليهم. لا الغرب يرغب في استضافتهم ولا الشرق. لا المُضيف استأنس باستضافتهم، ولا العواصف تلطّفت بدفئهم ولا البحر رأف بقوارب نجاتهم. لا الكوكب بهم مرحّبٌ، ولا مكّوكٌ يحملهم إلى فراغ الفضاء. وحدها المعاناة والمذلّة والمشقّة لم تفارقهم منذ أوّل أمطار براميل الموت.

«الفاسد ورُهاب السجلّات»
في فترة النزوح الأولى، عقب اشتعال النار السوريّة، لم تكن سلوكيّات الأحزاب الحاكمة في لبنان، نحو الهاربين من الجحيم، أكثر من ردّات فعلٍ سياسيّة ساذجة. رحّب السياديّون بالوافدين، كُرهًا بنظام الأسد، فيما امتعض منهم الممانعون لابتعادهم عن روائح الدّم والبارود والغازات الكيميائيّة.
لم يمضِ وقت طويل حتّى تنبّهوا، جميعًا، إلى خصوبة حقل الإبتزاز هذا. وعلى الفور، غيّرَت فرص النهب الوفيرة كلّ مقاربات السياسة للملفّ. فالعَين الناهبة، عند السُلطة اللبنانيّة، هي الأكثر يقظة بين عيونها. عين الوطنيّة عندها عشواء، والإنسانيّة عمياء. من اللحظة تلك، انطلقت فترة النازح المثمر. لم تَصرف الجهات الحزبيّة ولا الرسميّة قطرة حبرٍ واحدة على سجلّات الداخلين إلى لبنان، ولا الخارجين. لا العمّال محسوبةٌ أعدادهم ولا الطلَبة ولا المرضى. لا الولادات مكتوبةٌ ولا الوفيّات. والحجّة: رُهاب التجربة اللبنانيّة الثقيلة مع ملفّ اللجوء والتوطين الفلسطينيّ. مع العلم أنّ غياب السجلّات هو، بما لا جدال حوله، يُسهِم، حسب المنطق والقانون الدوليّ، بعكس ما يقوله رسميّو لبنان وزعماؤه. لا أرقامٌ صريحة. فالفاسد، في كلّ مكان، لا يطيق صراحة الأوراق المُفصحة والسجلّات الواضحة. فهي تصعّب تمييع المصروفات ونهب الواردات والهبات. لا أحد، في منظومة الحكم في لبنان، يمرّ على مصالح اللبنانيّات واللبنانيّين في مقاربته. لا أحد منهم متعاطفٌ مع السوريّين، ولا أحد يكرههم. لا أحد يهاب خلل الديموغرافيا ولا أحد يهتمّ لمستقبل البلد. لا مكان للعواطف والمشاعر والمسؤوليات الوطنيّة والإنسانيّة هنا. فقط حسابات ثقب النهب الأسود مهمّة. لا يهمّ ماذا يقولون على الشاشات والصحف والمنابر. ليس بينهم آبهٌ واحدٌ بأمان مواطنيه، ولا بتوفّر فرص عمل لهم. ليس في تصريحاتهم تلك أيّ حقيقة أو صراحة. والتعميم هنا، وإن شذّ عن القاعدة، جائزٌ تمامًا.

«لا تبعد عنّا هذه الكأس»
ليس المجتمع الدوليّ أكثر صدقًا، بكثير، ممّن عندنا. فهو يقوم بما يرفع العتب عنه. لا يمانع في دفع الملايين لفاسدٍ أو مجرمٍ أو قاتل، لكنّه لا يستسيغ تجرّع كأس موجات اللجوء العالية.
خذوا ملايين الدولارات لتعليم أطفال سوريا عندكم. فليهتمّ الوزير بو صعب بصعوبة الأمر. علّموهم بعد الظهر أو قبله، لا يهمّ. إدفعوا للمعلّمات والمعلّمين بقدر ما تريدون. اسرقوا هباتنا عن بكرة أبيها إذا شئتم، لكن أتركوا هؤلاء الفقراء عندكم. فهم، إن بلغوا أوطاننا، سيكلّفوننا أكثر بكثير. فاحملوا أنتم، أيّها المسؤولون اللبنانيّون، وزر تجاوزات حقوق الإنسان. إمسحوا أرجلكم أنتم بالمواثيق والقوانين الدوليّة. فليبتسم نجيب ميقاتي بمليار يورو وأكثر، فهو عَبوسٌ لا يبتسم لغير المليارات. إحموا شواطئنا بعسكركم. أغرقوا قوارب فقراء سوريا بأيديكم. لا تخبرونا عمّا أنتم فاعلون. نحن نعرفكم ونعرف أخلاقكم وعناوينكم. وعند كلّ موجة كراهيةٍ ممنهجة عندكم، نأتيكم، وفي أيدينا عظمةٌ أشهى. نحن عندنا وفرة في الدولار واليورو، وأنتم جشعون فاسدون ومجرمون كاذبون. وأرباب السُلطة عندنا يجيبون: لا تبعدوا عنّا هذه الكأس. فهي، وإن مُرّة، تطيب مع ألوان عملاتكم الجميلة.