اليهود العرب.. تنحية الهوية!

اليهود العرب.. تنحية الهوية!

  • ٠٣ أيار ٢٠٢٤
  • إلياس معلوف

سكن اليهود عالمنا العربي تاريخياً، بعضهم من لبنان و من العراق و سوريا و فلسطين، إلا أنَّ نكبة العام 1949 شتّتتهم، فمنهم من رفض العيش في إسرائيل، كما أنّ الدول العربية هجّرتهم

يقول المؤرخ اليهودي من أصول عراقية «آفي شلايم» إنّ الهوية العربية في أوساط اليهود العرب «تمّت تنحيتُها باعتبارها من الماضي»، لصالح «ذهنية إستكبارية وإستشراقية وفق منظور مركزي أوروبي» تعاملت مع الوافدين الجدد من المزراحيين(اليهود العرب)، على أنّهم مواطنون من الدرجة الثانية. يستذكر شلايم قائلًا: «كنت أشعر بحرج شديد من التحدث بالعربية في الحيز العام، لأنّها كانت تُعتبر لغة قبيحة وبدائية في إسرائيل، والأسوأ لغة العدو».
فما هو واقع اليهود العرب العددي اليوم في بلدانهم الأصلية؟

«كلّ يهودي قَدِم إلى إسرائيل، هو بمثابة لاجئ، وقليلون هم من جاءوا بدافع المحبة إلى إسرائيل»... يقول الروائي اليهودي سامي ميخائيل ذو الأصول العراقية. ونستطيع القول إنّ اليهود العرب قد عاشوا بشكل طبيعي في مجتمعاتهم العربية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث كانوا يتكلّمون اللغة العربية بلهجاتها المختلفة، وكانوا أعضاء فاعلين في مجتمعاتهم.
غير أنّ هجرة اليهود العرب تزايدت بعد حرب 1948 نتيجة لما قامت به المخابرات الإسرائيلية من خطط لنقل اليهود من البلاد العربية إلى إسرائيل  كعملية «عزرا ونحميا» من العراق، و«البساط الطائر» من اليمن وغير ذلك، مستغلّة حالة التشتت في القرارات من قبل الدول العربية؛ من فرض حالة الطوارئ أثناء الحرب والتضييق على اليهود. فكيف هو حال اليهود العرب اليوم؟ وماذا عن إنتشارهم في الدول العربية؟

يهود لبنان
البداية مع يهود لبنان، يتواجد في بلاد الأرز حاليًا 1500 يهودي. لكن 60 منهم مسجلين كيهود والباقين تحولوا إلى ديانات أخرى. ولا يمارس يهود لبنان المتبقين شعائرهم. كما أنّهم يتحفظون عن إظهار أنفسهم كيهود خوفًا من اعتبارهم عملاء لإسرائيل.
معظم اليهود اللبنانيين كان من أصول مزراحية، ولقد عاشوا في العاصمة بيروت وضواحيها. ويشير التاريخ القديم إلى دلائل على أنّ اليهود امتدوا إلى سفوح جبل الشيخ. وفي التوراة، سمي هؤلاء اليهود بقبائل «المنسي»والتي تعني في العبرية «الذين نسوا أنّهم يهود». 
وفي بدايات القرن العشرين، وتحديدًا عام 1911، انتقل يهود اليونان وسوريا والعراق وتركيا إلى مدينة بيروت ليصبح عدد سكانها اليهود حوالي 5000 نسمة.
ونمت الجالية اليهودية إبان فترة الإنتداب الفرنسي وشاركت في العمل السياسي. وخلال السنوات التي تلت إعلان دولة لبنان الكبير، صدرت صحيفتان يهوديتان هما «العالم الإسرائيلي» وصحيفة إقتصادية كانت تصدر باللغة الفرنسية بعنوان:
 «Le Commerce du Levan ».
أما بعد النكبة الفلسطينية عام 1948، فقد تواجدت الجاليات اليهودية في وادي أبو جميل ورأس بيروت، وبشكلٍ أقل في منطقة الشوف وخصوصًا في دير القمر وعاليه وبشامون وبحمدون وصيدا وطرابلس وحاصبيا.
هذا في الأمس، أمّا اليوم فهاجر ما يقدر بنحو 6000 يهودي لبناني في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، ما أدّى إلى تقليص عدد المجتمع إلى 450 شخصًا بحلول عام 1975. فالحرب الأهلية اللبنانية والحرب مع إسرائيل 1982 قلصت من عدد اليهود المقيمين في البلاد.

يهود العراق 
إلى بلاد الرافدين حيث عاش اليهود ككل السكّان الأصليين وتكلّموا العربية وليس غيرها من اللغات حتى أنّ جيلهم الأخير في العراق تخلّى عن الأسماء اليهودية وتسمّى بأسماء إنكليزية وعربية.
هذا و ساهم الإحتلال البريطاني للعراق بنهضة الطائفة اليهودية التي أظهرت ولاء تاماً له، ما حسّن من وضعهم الاقتصادي بعد أن أصبحوا المورّدين لاحتياجات الجيش البريطاني من الأطعمة، وزاد عدد اليهود في الوظائف الحكومية. وكعادة اليهود، لقد تجمّعوا في أحياء خاصة بهم وكانت لهم مدارسهم الخاصة، إلّا أنّ علاقاتهم مع العراقيّين شملت جميع النواحي، فكانوا الرائدين في تأسيس البنوك، وقد وصل تعداد أعضاء اللجنة الإدارية لغرفة تجارة بغداد من اليهود إلى الثلث. 

إلاّ أنّه بعد إعلان دولة إسرائيل اتخذت السلطات العراقية مجموعة من القرارات ساهمت في تسريع هجرة اليهود منها الحجز على أملاكهم والطرد من الوظائف وغير ذلك، إلى أن ختم وضع اليهود بعملية «عزرا نحميا»، حيث كانت الطائرات تقلّ اليهود من العراق إلى قبرص، ومع ازدياد الهجرة هبطت الطائرات العراقية في اللد حاملة معها اليهود العراقيين ولم يبقَ في العراق، إلّا القلّة القليلة التي أخذت بالتناقص لتصل لأقلّ من مئة شخص في إحصاءات تعود إلى أواخر القرن العشرين وأوائل الواحد والعشرين. 

يهود سوريا 
ومن العراق إلى سوريا حيث تموضع اليهود في دمشق وحلب، وكعادتهم كان لهم شأنًا كبيراً في النشاط الإقتصادي. وقد حاولت الوكالة اليهودية استمالتهم بشتى الوسائل، إلّا أنّ قوات الاحتلال الفرنسي بسبب خصومتها مع الإنكليز عوّقت بعض الأنشطة الصهيونية كشراء الأراضي في جنوب سوريا. 
ومع صعود القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث بالنسبة للعرب في منتصف القرن العشرين، وتفاعل العرب مع الشعب الفلسطيني، وقعت حوادث عنيفة في سوريا. وفي أعقاب محادثات السلام عام 1991 في مدريد، سمحت الحكومة السورية لليهود بالسفر، بشرط ألّا يذهبوا إلى إسرائيل فغادر نحو 2600 شخص ممّن ظل في سوريا من اليهود إلى كندا وأميركا، وعاد منهم إلى سوريا 160 يهودياً. الذها