العمال في لبنان.. لا عيد ولا عمل

العمال في لبنان.. لا عيد ولا عمل

  • ٠١ أيار ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

في عيد العمال، يغيب العمال، وحقوقهم، وأساسيات الحياة الكريمة.

في حين يحتفل العالم بعيد العمال، يواجه العمال في لبنان واقعًا قاسيًا. فقد لقي بعض العمال حتفهم نتيجة انفجار قارورة غاز في مطعم، بينما سيضطر آخرون إلى مشاهدة الإحتفالات السنوية التي تُقام باسمهم وهم غارقون في عملهم خوفًا من خسارته، وذلك في ظلّ غياب نقابات فعالة تحمي حقوقهم. أما العمال الذين يتقاضون أجرًا يوميًا، فلا يملكون ترف التوقف عن العمل في الأول من أيار. 

العمال في لبنان ليسوا جميعهم من اللبنانيين، ولا حتى أكثريتهم من اللبنانيين. أبناء البلد تشتتوا في كل دول العالم، ومن يحرك ما بقي من السوق العمل، هم من الأجانب. 

تشكل القوة العاملة 1.4 مليون نسمة بحسب «الدولية للمعلومات»، 33.5 في المئة منهم عاطلين عن العمل، تتراوح أعدادهم بين 450 و470 ألف، فيما 67.4% من العاملين، يعملون بشكلٍ غير نظاميّ.

(ريم بياني تفاعلي)

بلغت نسبة البطالة بحسب الإحصاء المركزي 29.6 في المئة حتى عام 2022، وواحد من كل 3 أشخاص لا يعمل، فيما نسبة السكان خارج سوق العمل 56.6 في المئة، بينهم 77.8 في المئة من النساء، و33.8 في المئة من الرجال.

لقد رمت الأزمة الإقتصادية بثقلها على العمال، فخسر 100 ألف لبنان وظيفتهم بين عاميّ 2020 و2022، وتوزعت الخسائر على مختلف القطاعات على الشكل التالي:

 

(ريم بياني تفاعلي)

من يحمي هؤلاء العمال؟ الإجابة المنطقية هي النقابات، إلّا أنّ النقابات في لبنان قد تمّ تهميشها وتدجينها  بشكلٍ ممنهج من قبل المنظومة الحاكمة. وقد انخفض عدد العمال المنتسبين الى النقابات الى 2.7 في المئة فقط. من بينهم 4.5 في المئة من العمال اللبنانيين، و2.7 في المئة من العمال الفلسطينيين، و0.2 في المئة من السوريين.

وإلى جانب غياب النقابات الفاعلة، يغيب الضمان الصحي. فحوالي نصف القوى العاملة اللبنانية غير مسجلة في الضمان الإجتماعي، وتصل النسبة الى 90 في المئة بين العمال السوريين والفلسطينيين. ويزداد الوضع سوءًا مع عدم حصول 51% من العمال اللبنانيين على إجازة سنوية، مقارنة بـ 81% من العمال الفلسطينيين و91.2% من العمال السوريين.

فضلاً عن غياب عقود العمل، ما يعني لا قدرة قانونية على محاسبة ربّ العمل عن أي إنتهاك أو طرد تعسفيّ. 46.5 في المئة من القوى العاملة تعمل دون عقد عمل، فيما 27.5 في المئة يعملون بعقد شفهي، و56 في المئة يعملون عقود قصيرة الأجل، و25 في المئة هم مياومون، و15.5 في المئة فقط يعملون بعقود لمدة 12 شهر أوأكثر.

و تظهر في السنوات الأخيرة الطبقة العاملة الجديدة، التي باتت أمراً واقعاً، بعد تغيير شكل الإقتصاد العالمي منذ الثمانينيات، وهي الـ «بريكاريا»، كبنية طبقية عالمية تختلف تماماً عن تلك التي كانت سائدة طيلة السواد الأعظم من القرن العشرين. ظهر المصطلح في أعقاب الإحتجاجات التي اندلعت إثر لقاء «مجموعة الثماني» عام 2001 في جنوى، إيطاليا، وهو جمع كلمتي «بروليتاريا (Proletariat)» التي تعني الطبقة العاملة و«precarious» التي تعني المتقلقل وغير المستقر. 

و«البريكاريا» تعني العاملين بعقود «مرنة»، ووظائف مؤقتة، بدوام جزئي، أو بشكلٍ متقطع لوسطاء العمل أو وكالات التوظيف. إسمهم المتداول في سوق العمل الـ «فريلانس».  يتقاضون مقابل منتج معين، ولا تحديد لساعات العمل، ولا ضمان صحيّ، ولا أمان وظيفي، ولا عقود عمل، وبالتالي لا يحصلون على الرواتب التقاعدية، والإجازات المدفوعة الأجر، واستحقاقات التقاعد. ويفتقدون لكل أشكال المكافآت. كما أنّهم الطبقة العاملة الأولى في التاريخ التي يُتوقع منها، أن تحصل على مستوى تعليمي أكبر من العمل الذي يُتوقع منها أن تؤديه أو تتوقع الحصول عليه. 

يندرج هذا المصطلح ضمن إتجاهٍ عالمي لإلغاء العمل النظامي، وإلى نموّ قطاعات عملٍ غير رسمية، لا سيّما في الإقتصادات النامية. يصف الإقتصادي البريطاني جاي ستاندنغ في كتابه «الطبقة الجديدة الخطيرة» هذه الطبقة من العمال غير النظاميين، وغير المتفرغين، والمتعاقدين والمتدرّبين، يرى أنّهم لن يكونوا جزءاً من الطبقة العاملة.

يأتي عيد العمال هذا العام ليسلط الضوء على واقع العمال القاسي في لبنان، في ظلّ ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتدهور سوق العمل وغياب الفرص، واتساع فجوة اللامساواة بين المواطنين. وتشير الإقتصادية في معهد «كارنيغي» ليديا أسود، الى أنّ «لبنان يشهد، منذ العام 2005، تبايناً كبيراً في توزيع الدخل  والثروة على السواء. ففي المتوسط، تستأثر فئة الـ 1 في المئة من السكان الأكثر ثراءً على 25 في المئة من الدخل الوطني، بينما تحصل الفئة الأكثر فقراً وتشكل الـ 50 في المئة من السكان على أقل من 10 في المئة. أما فيما يتعلق بالثروة، تملك الفئة الأكثر ثراء وتشكل الـ10 في المئة من مجمل عدد السكان حوالي 70 في المئة من إجمالي الثروة. ونتيجة لذلك، تواجه الطبقة الوسطى والفقراء فرصاً محدودة لتحقيق الإرتقاء الإجتماعي». 

وتشير أسود في دراستها أنّ «الإقتصاد السياسي اللبناني، تحوّل من إقتصاد مفترس إلى إقتصاد يلتهم نفسه». وأنّ اللامساواة آفة مستوطنة في لبنان، ويمكن قياسها عبر توزُّع الودائع المصرفية، التي أظهرت أنّه حتى عام 2017 إستحوذ نسبة 0.1 في المئة من الحسابات المصرفية على 20 في المئة من مجموع الودائع. فيما المعيار الثاني هو القوائم التي نشرتها مجلّتا «فوربس» و«أرابيان بيزنس» بأسماء أصحاب المليارات، والتي أظهرت أنّ «ثروات أصحاب المليارات شكّلت، في المعدّل، 30 في المئة من مجموع الدخل الوطني في لبنان بين العامَين 1990 و2016، و23 في المئة من المجموع بين العامَين 2010 و2017، ما يتخطى بأشواط الأرقام المسجّلة في معظم البلدان الأخرى. وبين 1990 و2016، كان 10 في المئة من السكّان يمتلكون حوالي 70 في المئة من مجموع الثروات في البلاد، وتستحوذ نسبة 1 في المئة على نحو 45 في المئة من الثروات، فيما لم يتبقَّ لشريحة الـ 50 في المئة الأكثر فقرًا سوى أقل من 5 في المئة».

إنّ واقع العمال في لبنان يتطلب وجود نقابات وقوى ضغط فعالة لاستعادة مبادئ عيد العمال العالمي: 8 ساعات عمل، 8 ساعات راحة، 8 ساعات ترفيه. وذلك لضمان حقوقهم الأساسية، بما في ذلك الصحة، والأجور، ولقمة العيش، والتعليم، والسكن. لا ينبغي أن يقتصر طموح العمال على مجرد البقاء على قيد الحياة في وظائفهم. بل يجب أن يتمتعوا بحماية قانونية فعالة في حال تعرضهم لحوادث أثناء العمل، دون أن تكون الواسطة والمحسوبية عائقاً أمام تحقيق العدالة.