«راعية المحور» بمأزق.. تأرجُحٌ بين تجرّع السمّ أو الردّ

«راعية المحور» بمأزق.. تأرجُحٌ بين تجرّع السمّ أو الردّ

  • ٠٢ نيسان ٢٠٢٤
  • عبدالله ملاعب

تصعيد إسرائيلي خطير، طال إيران من دمشق. إليكم دلالاته وتفاصيل الرسالة الأميركية المُبطّنة.

تلقّت طهران ضربة قاضية في دمشق، عاصمة سوريا التي تحوّلت من لاعب إلى ملعب يضمّ 5 جيوش ومرتزقة. الهجوم ترك إيران، «راعية محور المقاومة» أمام شرَّين. الأول قوامه الردّ بالقوّة يعني الدخول في حرب مباشرة مع تل أبيب، والثاني هو الصمت، وتجيير الردّ للفصائل التابعة لها. وخطورة هذا الخيار أنَّه يُحطّم صورتها كقوّة إقليمية وازنة.

الإستهداف هو الأخطر من نوعه، في المرمى الإيراني، منذ إنطلاق طوفان الأقصى. نُفّذ الهجوم بطائرات إف – 35 وتمّ إطلاق 6 صواريخ أميركيّة الصنع. قائدان بارزان قُتلا. العميد محمدعلي زاهدي، العقل المدّبر لـ «فيلق القدس» والمسؤول عنه في سوريا ولبنان، والقيادي الذي خيّط عمليات الفيلق ووسّع نفوذه منذ العام 2008 بصمت. كذلك، قُتل العميد محمد هادي حاج رحيمي قيادي آخر في صفوف «الفيلق»، عُرف بأنَّه اليد اليُمنى لزاهدي. وإلى جانبهما، قضت قيادات أخرى أقلّ رتبة، صدر عن  الحرس الثوري الإيراني أنّهم مجموعة من المستشارين الذين كانوا موجودين في المبنى.

عواصم عربية وعالمية عدّة دانت هذا الهجوم. لأنّ إستهداف القنصلية يعني في القانون الدولي إستهداف الدولة حكومةً وشعباً والتعدّي على أرضها. إلّا أنَّ إسرائيل التي استعرضت قدراتها وعملها الإستخباراتي العالي الدقة في هذا العمل ، برَّرت أنَّ الإستهداف طال إجتماعاً بين قياديي «فيلق القدس» و «حركة الجهاد الإسلامي» الفلسطينية التي تموّلها إيران. واعتبرت أنَّها بذلك طالت أهدافاً عسكرية لا ديبلوماسية. وبالفعل الدقّة الإسرائيلية في استهداف من تريد، تُرجمت بالعملية حيث لم تطل صواريخها المبنى الملاصق، وهو مبنى القنصلية، بل المبنى الذي اجتمع فيه قياديّو «الفيلق» و«الجهاد» لمناقشة حرب غزَّة. 

يُذكر في السياق، أنَّ العملية الإسرائيلية أتت بعد ساعات قليلة على إستهداف «حركة النجباء» العراقية، التابعة بدورها أيضاً للحرس الثوري الإيراني، أهدافا قالت إنَّها «حيويّة»، وفي العمق الإسرائيلي، بحسب بيانها. وعلى الرغم من كون هجوم «النجباء» قد يرتّب ضربة قاضية كتلك التي طالت دمشق وقضت على قيادييَن وضعتهم واشنطن على «القائمة السوداء». وفي خطوة وقائية رفعت تل أبيب من منسوب الجهوزية لدى قواتها واستنفارها تحسباً لردّ مرتقب من طهران.

وقال مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي صباح الثلاثاء، إنَّ الندم سيكون مصير الإسرائيليين. وكانت الخارجية الإيرانية قد أعلنت أنَّ الردّ سيكون في الزمان والمكان المناسبين. و«حزب الله» بدوره علّق على العملية، متوعدا بـ «العقاب والإنتقام»، مؤكداً أنّ «تل أبيب» ستدفع الثمن. 

دلالات الهجوم كثيرة 
أكَّد سياسيّون إسرائيليّون وأميركيّون، أنَّ واشنطن كانت على علم بالهجوم الإسرائيلي مسبقاً. في حين أنَّ الرواية الأميركية الرسمية تقول إن تل أبيب أبلغت واشنطن خطوتها، قبل شنّ العملية بدقائق قليلة. 
للهجوم دلالات كثيرة، فهو بمعزل عن إستهداف «حركة النجباء» لإسرائيل، ودخول الحوثيين على خط الحرب، وتحريك إيران كل فصائلها ومن تموّلهم، تحت قاعدة توحيد الساحات والمواجهة الواحدة، لا يمكن فصل الإستهداف عمَّا يجري في الأردن، ربطاً بالمشهد العام. 
مشهد الأردن خطير. ولسان حال المسؤولين في عمَّان يتمثَّل بأنَّ إيران تقف خلف التطوّر الدراماتيكي للإحتجاجات التي انتقلت من صيغة التظاهر إلى الشغب ووصلت الى حدّ المطالبة بتغيير النظام. 

وزير الإعلام الأردني السابق سميح المعايطة إتّهم عبر منصة «أكس» «حركة حماس»ً ومن خلفها إيران بالعبث بأمن الأردن، قائلاً: « أي فصيل (مقاوم) يترك شعبه تحت القصف الصهيوني والتشريد وحلم الفلسطيني في غزة رغيف خبز، ويتفرغ للعبث بأمن الأردن، تنظيم متّهم في أهدافه وولاءاته مهما كانت شعاراته، والعاجز عن إنقاذ شعبه وحمايته لن يكون فيه خير لأحد إلّا لمَن يوجهه»..

ومؤخراً، قد برز الى الواجهة خطر الأجندة الإيرانية على عمَّان التي مازالت صامدة أمام المحور الممتدّ من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق. فقد صدر كلام عن كتائب«حزب الله» العراقي، أعلن فيه مسؤول المكتب الأمني، في الكتائب، أبو علي العسكري، أنَّهم مستعدّون لتجهيز «الأشقاء من مجاهدي المقاومة الإسلامية في الأردن بما يسدّ حاجة 12 ألف مقاتل من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقاذفات». وأضاف بيان أبو علي العسكري، الذي يدل على الكثير من العقل الإيراني، إلى أنَّ قوات «حزب الله» العراقي «حاضرة لتجهيز مجاهدي حركة حماس والجهاد الإسلامي لقطع الطريق البرّي الذي يصل إلى الكيان الصهيوني».

خطر النوايا الإيرانية تجاه الأردن، لا يبدّدها بيان خارجيّة عمَّان الذي دان الهجوم، والمشابه لبيانات السعودية والإمارات ولبنان، على قاعدة أنَّ الهجوم الإسرائيلي «إنتهاك خطير للقانون الدولي وإتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية». 

وفي إطار الدلالات أيضاً، لا يمكن فصل الإستهداف عن اللقاءات المطوَّلة التي عُقدت في طهران خلال الزيارة المُعلنة التي ضمت وفدا كبيراً من «حركة حماس»، على رأسه إسماعيل هنيّة. الزيارة التي استمرت لأسبوع إلتقى فيها هنيّة بالرئيس الإيراني ومرشد الجمهورية، حيث دار البحث حول الحرب وأنشطة إسرائيل في المنطقة، التي رأى «رئيسي» أنّها «مزعزعة للإستقرار»، وأنَّ «العالم بات يعرف ذلك». 
وعليه، الكرة اليوم عادت إلى الملعب الإيراني. رسالة أميركية إسرائيلية وصلت إلى طهران، وكانت موجعة. إنَّما الأصعب من ذلك هو صعوبة إتخاذ القرار في إيران المتعلق بالردّ أو عدمه. وفي هذا الإطار يعود إلى الأذهان ما كشفه «دونالد ترامب» بعد السابع من أكتوبر يوم تحدّث عن الرّد الإيراني على قتل سليماني، والذي نُسّق بين الإيرانيين والأميركيين. ليبقى السؤال، هل ستُنسّق طهران التي تحاور واشنطن، الردَّ مع أميركا، تفادياً لإنزلاق دراماتيكي يُشعل المنطقة أكثر مما هي مشتعلة؟