حربٌ على الأصول

حربٌ على الأصول

  • ٢٧ آذار ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

منذ بداية الحرب الروسية – الأوكرانية في شباط 2022، قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها، بتجميد الأصول السيادية الروسية المودعة في أنظمتها المصرفية، وتقدر بـ 280 مليار دولاراً، وحتى اليوم، لم تحدّد هذه الدول ماذا ستفعل بهذه الأموال، وإن كانت ستستخدمها للضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوقف الحرب.

إحتياطيات النقد الأجنبي هي أصول البنك المركزي المحتفظ بها في الأوراق المالية والودائع المقومة بالعملات الأجنبية، وعادة ما تكون السندات الحكومية الصادرة عن الإقتصادات المتقدّمة أو الودائع في البنوك العالمية. تستخدم البنوك المركزية الإحتياطيات لتسهيل المدفوعات الدولية، وإدارة أسعار الصرف، وضمان قيمة العملة المحليّة. يفيد صندوق النقد الدولي (IMF) أنّ ما يقرب من 80٪ من جميع إحتياطيات النقد الأجنبي موجودة بالدولار الأمريكي أو اليورو وعند تجميد الأصل، يمنع إستخدامه، نقله أو بيعه، دون المسّ بملكيته، فيما عند المصادرة تتحوّل الملكية إلى الجهة المُصادِرة.

بحسب المصرف المركزي الروسي، قيمة إحتياطياته من العملة الأجنبية قرابة الـ 500 مليار دولاراً، 300 مليار دولاراً بالدولار الأمريكي واليورو والجنيه الإسترليني. الأصول الروسية المجمدة تتألف من 280 مليار دولاراً تابعة للمصرف المركزي الروسي في هيئة أوراق مالية ونقد، وأغلبها مودع في غرفة المقاصة «يوروكلير» في بلجيكا. كما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنّ العقوبات على شخصيات روسية، أدت إلى تجميد أصول إضافية بنحو 58 مليار دولاراً، على هيئة يخوت وطائرات خاصة، ذلك بدءاً من آذار 2023. لكن لم تتمّ مصادرة سوى القليل نسبياً، حيث لا يُسمح بذلك عادةً إلا عندما يتبين أنّ الأصول هي عائدات جريمة، وهذا يصعب إثباته في المحكمة.

تريد واشنطن بدعم من المملكة المتحدة وكندا، الإستيلاء عليها للمساعدة في دفع تكاليف حرب أوكرانيا، ودعم إقتصادها المدمّر. ويضغط الرئيس الأميركي جو بايدن على دول مجموعة السبع، للإتفاق على طريقة لاستخدام الأصول الروسية بحلول الوقت الذي ستجتمع فيه في حزيران. فيما يفضّل الإتحاد الأوروبي ومجموعة السبع وأستراليا إبقاء الحظر على الأصول الروسية، لإجبارها على المساعدة في إعادة إعمار أوكرانيا. فيما مصادرة أصول روسيا في الغرب، سيقابلها مصادرة أصول الغربية في المصارف الروسية، والتي تقدّر بـ 600 مليار روبل (6.6 مليار دولار)، حتى نهاية عام 2022.  

ويحاول المركزي الأوروبي فرض ضريبة على الربح غير المتوقع الناتجة من الأموال المجمدة، وإقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية «فون دير لاين» إستخدام تلك العائدات لتمويل أسلحة لأوكرانيا. الأرباح التي نتجت عن تجميد الأول، بلغت 4.4 مليار يورو (4.8 مليار دولاراً) في عام 2023. وقدّر البنك الدولي كلفة إعادة الاعمار في أوكرانيا بنحو 486 مليار دولاراً، اعتباراً من كانون الأول الفائت.

لكن لا يمكن الإستيلاء على أصول دولة بهذه البساطة، فهي ملكية خاصة، ولا يحقّ للدول السيطرة عليها، خاصة وأنّ إقتصادات هذه الدول تؤكّد على حرمة الملكية الخاصة. كما أنّ هذه الخطوة يمكن أن ينعكس على إستقرار العملات الأجنبية كعملات إحتياط، تحديداً اليورو، وقد يتجه المودعون في الإقتصادات الناشئة على سحب الأموال من البنوك الغربية، مما يؤدي إلى تفتيت النظام المالي العالمي.

في المقابل، نفت وزيرة الخزانة الأميركية «جانيت يلين» في شباط الفائت، مؤكدةً على أنّه لا بدائل للدولار واليورو والين. وقالت إنّه «إذا عملت مجموعة السبعة معاً، فإنّ المجموعة ستمثل نصف الإقتصاد العالمي، وجميع العملات التي لديها بالفعل القدرة في هذه المرحلة على العمل كعملات إحتياطية».

إستخدام الأصول للضغط على الدول، بدأ في حروب من قبل عام 1600. وغالباً ما تسبق الحروب العسكرية، حروب إقتصادية وتكنولوجية وجيو- سياسية، مثلاُ، قبل الحرب العالمية الثانية، شهدت أوروبا صراعات إقتصادية ومالية سبقت الحرب بعشر سنوات.

تنقسم التدابير المتخذة إلى ثلاثة:
تجميد/مصادرة الأصول: منع الخصم من إستخدام أو بيع الأصول الأجنبية التي يمتلكونها. ويمكن أن تتراوح هذه التدابير من تجميد الأصول للمجموعات المستهدفة (مثل العقوبات الأمريكية الحالية على الحرس الثوري الإيراني)، إلى تدابير أكثر تطرفاً، مثل التنصّل من الديون من جانب واحد، أو الإستيلاء التام على أصول الدولة.
منع الوصول إلى أسواق رأس المال: منع أي بلد من الوصول إلى أسواق رأس المال في بلد الخصم، أو الوصول إلى رأس المال (مثل منع إصدار الديون أو الأسهم)، أو للإستثمار في البلد (مثل سياسات منع الإستثمار الداخلي من الدول المتنافسة). ويمكن أن يتخذ هذا أيضاً شكل، إما حجب الإقراض المستمر، أو تنسيق مبيعات أصول الدولة، بهدف غير إقتصادي يتمثل في إضعافها أو إجبارها على سلوكيات معينة.
الحظر/الحصار: منع التجارة في السلع أو الخدمات، سواء مع البلد الخصم أو في بعض الحالات مع أطراف ثالثة محايدة، بغرض إضعاف الدولة المستهدفة. ويمكن أن يشمل ذلك منع واردات الإمدادات الرئيسية (كما حدث مع الحظر الأمريكي للنفط على اليابان في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية)، أو منع الصادرات من الدولة المستهدفة التي تمثل دخلاً كبيراً لذلك البلد.

تضمنت العقوبات الأمريكية ضدّ روسيا على مدى العقد الماضي مجموعة من التدابير المعتدلة (الإغلاقات واسعة النطاق من النظام المالي الأمريكي أمام الشركات الروسية الرئيسية، وتجميد الأصول المستهدفة لأفراد محدّدين، والقيود التجارية، بما في ذلك تلك المطبقة على دول الطرف الثالث).

في الصراعات السابقة، إتخذت بشكل عام شكل تعطيل/حصار تجارة العدو، كما حدث في الحروب النابليونية أو حرب عام 1812، وبالتالي أثّرت القوة البحرية على من يستطيع ومن لا يستطيع إستخدام هذه الأسلحة بشكلٍ فعال. وفي الآونة الأخيرة، شهدنا إستخدام مجموعة واسعة من التدابير المالية والتجارية. على وجه الخصوص، شهدنا على مدى نصف القرن الماضي الولايات المتحدة تستخدم وضع العملة الإحتياطية، كسلاح لمنع خصومها من الوصول إلى النظام المالي بالدولار، وكذلك لتهديد الأطراف المحايدة التي قد تفكر في التعامل مع خصوم الولايات المتحدة، من خلال ما يعرف بإسم العقوبات الثانوية. وسلسلة العقوبات المالية على روسيا في العقد الماضي، إحدى الحالات، على الرغم من تطبيق تدابير مماثلة ضدّ العراق وإيران وفنزويلا ودول أخرى.