إسرائيل تقايض الغاز برفح.. الإقتصاد غطاء لسياسة التهجير

إسرائيل تقايض الغاز برفح.. الإقتصاد غطاء لسياسة التهجير

  • ١٩ كانون الأول ٢٠٢٥
  • أنطوني سعد

القاهرة تؤكد أنّ الإتفاق تجاري ولا يحمل أي أبعاد سياسية، إلا أنّ التجارب السابقة في المنطقة تُظهر أنّ «الإستثناءات المؤقتة» غالباً ما تتحول إلى مسارات دائمة.

في توقيت بالغ الحساسية، أقرّت إسرائيل صفقة غاز ضخمة مع مصر، قُدّمت رسمياً على أنّها إتفاق إقتصادي طويل الأمد، فيما تفرض الوقائع الإقليمية قراءة سياسية أعمق تتجاوز منطق الطاقة والأسواق. فالتزامن بين الصفقة، وتعقيدات معبر رفح، وتصاعد الحديث داخل إسرائيل عن «اليوم التالي» في غزة، يجعل من الصعب فصل الإقتصاد عن الأهداف الاستراتيجية.

الصفقة، التي تتيح لإسرائيل تصدير كميات كبيرة من الغاز إلى مصر لسنوات طويلة، تشكّل متنفساً إقتصادياً للقاهرة في ظلّ تراجع إنتاجها المحلي وارتفاع الطلب الداخلي، كما تعزّز موقعها كمركز إقليمي لإسالة الغاز وإعادة تصديره. غير أنّ هذا البعد الإقتصادي لا يُلغي حقيقة أنّ إسرائيل، في هذه المرحلة، تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى أدوات ضغط غير عسكرية، خصوصاً بعدما استُنفدت أوراق القوة الميدانية في غزة دون تحقيق حسم سياسي.

في هذا السياق، تبرز مقاربة إسرائيلية تقوم على ربط الملفات ببعضها البعض. فتل أبيب تدرك أنّ معبر رفح هو العقدة الأساسية في أي سيناريو مستقبلي لغزة، سواء لجهة إدخال المساعدات أو لجهة إدارة الحركة السكانية. ومن هنا، يصبح تسهيل فتح المعبر، ولو جزئياً أو تحت عناوين إنسانية، هدفاً استراتيجياً لا يقل أهمية عن العمليات العسكرية.

اللافت أنّ مصطلح «التهجير» لم يعد محصوراً بالتحليلات أو التسريبات، بل بات حاضراً في الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيلي، سواء بصيغة مباشرة أو مواربة. الحديث عن «مناطق آمنة» خارج غزة، أو «حلول إنسانية مؤقتة»، لا يُخفي جوهر الفكرة: تفريغ القطاع من جزء من سكانه، وتحويل الأزمة الإنسانية إلى فرصة لإعادة رسم الواقع الديموغرافي.

من هنا، يُنظر إلى صفقة الغاز كجزء من عملية تليين تدريجية للموقف المصري. فمصر، التي أعلنت مراراً رفضها القاطع لتوطين الفلسطينيين أو نقلهم إلى سيناء، تجد نفسها أمام ضغوط مركّبة: إقتصادية، وأمنية، ودولية. ومع أنّ القاهرة تصرّ علناً على أنّ الإتفاق تجاري بحت ولا يحمل أي أبعاد سياسية، إلا أنّ التجارب السابقة في المنطقة تُظهر أنّ «الإستثناءات المؤقتة» غالباً ما تتحول إلى مسارات دائمة.

فتح معبر رفح، في هذا الإطار، لا يُطرح كقرار سيادي مستقل، بل كحل إنساني تحت ضغط الكارثة في غزة. غير أنّ الخطر يكمن في تحويل هذا الحل إلى بوابة تهجير ناعمة، تبدأ بآلاف، وقد لا تنتهي عند هذا الحد، ما يمنح إسرائيل مكسباً استراتيجياً دون أن تتحمل كلفة سياسية مباشرة.

في المحصّلة، صفقة الغاز بين إسرائيل ومصر لا يمكن قراءتها خارج سياق الحرب على غزة ومستقبلها. هي ليست مجرد إتفاق طاقة، بل أداة ضمن سلة ضغوط تهدف إلى تسهيل فتح معبر رفح، وتهيئة الأرضية لمسار تهجير يُعاد تسويقه بلغة إنسانية. وبينما تُرفع عناوين الإقتصاد والتعاون، يبقى جوهر المعركة سياسياً وديموغرافياً، وهو ما يجعل أي إتفاق في هذا التوقيت محمّلاً بدلالات تتجاوز نصوصه المعلنة.