٤ آب ذكرى الذلّ السنويّة

٤ آب ذكرى الذلّ السنويّة

  • ٠٤ آب ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

في لحظة شعرت أنّني فقدت القدرة على التنفس. لم أعُد اتمكن من السير. أمر ما قادني إلى محل صغير، تناولت قارورة مياه. تمالكت نفسي وأكملت طريقي لأصل إلى جلستي الأسبوعية للعلاج النفسي.

 
نجحت معالجتي كعادتها في عقلنة ما جرى، وابلغتني أنّ ما حصل يسمى «نوبة هلع» أو panic attack.
سمعت بالمصطلح سابقاً، لكن كانت تجربتي الأولى معه، والتي رافقتني لسنتين بعدها.
قبلها بعام و٤ أشهر، كنت في بيروت، أسير على الجسر مقابل المرفأ، كان الوضع طبيعي، درجات حرارة قاتلة، وروتين قاتل. يومها كورونا الزمت الناس منازلهم، والأزمة هددت يومياتهم. كان المرفأ إلى جانبي، لم أنظر نحوه، لم أعتَد إلقاء نظرة عليه، رغم تواجدي الدائم في الجميزة. لم ألحظ دخان، وأكملت طريقي عائدة إلى المنزل في الجبل.
على الدورة، وفجأة، ركض الناس باتجاه بيروت مبهورين بما يشاهدونه، وفي ثوانٍ هرعوا باتجاه معاكس يصرخون «طيارة طيارة»، لم أتمكن من فهم ما يجري، ليخرج صوت، كأنّ إعصار يجرف المدينة. للوهلة الأولى اعتقدت أنّ طائرة وقعت، ولمحت من حولي زجاجاً يتناثر وقد يقع علي، جلست في مكاني ووضعت راسي بين رجليي وخبأته بحقيبتي. مرت نحو 15 ثانية، وهدأ الصوت. رفعت رأسي، ولم أرَ شيئاً، للحظات بدت المنطقة خالية تماماً. اسرعت إلى صيدلية، على اعتقادي أنّ أي ضرر جسدي له حلّ هنا. الرجل هناك أكمل عمله بشكل طبيعي، دعاني لادخل وحاول طمأنتي بأنّ هذا مجرد انفجار، ليبدأ الناس يتوافدون والدم يسيل منهم.
ترددت في العودة إلى المنزل، وطوال الطريق حاولت والدتي تهدئتي عبر الهاتف، تارة تقول لي أنّه إنفجار في بيت الوسط، وطوراً استهداف لبيت الكتائب. ثم قالت لي أنّ إسرائيل قصفت المرفأ، تنهدت وقلت لنفسي أنّ لا قدرة لنا على الحرب، لكن لا بدّ من أن الرد آتٍ. بعد دقائق قالت لي أنّه انفجار نيترات الامونيوم على المرفأ. شعرت بغضب وذل لم أشعر به من قبل، وقلت بنفسي «يا ريت قصفتنا إسرائيل»، أقله هي العدو، ولو خسرنا.
بعد عام، وقبل الذكرى الأولى بأيام، شهدت أهالي شهداء المرفأ يعتصمون تحت منزل وزير الداخلية السابق محمد فهمي. تعرضوا للضرب من القوى الامنية. تسمرت أمام الشاشة، اتخيل أهلي معهم، فلو بقيت قي الجميزة يومها كنت سأموت، وكان أهلي سيعتدى عليهم لأنّهم يريدون معرفة من قتل إبنتهم. عاد شعور الذلّ الذي شعرت به في الرابع من آب 2020، وبعد أيام من الذكرى الأولى، تمكن مني القلق وفقدت القدرة على الوقوف.
جلّ ما قمت به هو الإتصال برقم معالجة نفسية، كنت احتفظت به قبل أشهر ليومٍ ما. وبدأت رحلة علاج، لم تنتهِ حتى اليوم، وخلالها تعود مشاعر الألم والذل إليّ كل عام في 4 آب.