الهتاف الطائفي بين الماضي والحاضر: « #شيعة #شيعة #شيعة » نموذجًا
الهتاف الطائفي بين الماضي والحاضر: « #شيعة #شيعة #شيعة » نموذجًا
كتب واصف الحركة على صفحته على فايسبوك: «شيعة شيعة شيعة» في قلب الضاحية ليس سوى كاريكاتير سياسي. صرخة داخل جدران مغلقة تُخاطب الذات أكثر مما تخاطب الآخر.
بالأمس إرتفع في الضاحية الجنوبية هتاف «شيعة شيعة شيعة». مشهد بدا للبعض عاديًا، لكنه في الحقيقة يختصر أزمة أعمق من مجرد صرخة جماعية. فما الجدوى من ترديد شعار طائفي في منطقة يعرف القاصي والداني أنّها ذات غالبية شبه مطلقة من الشيعة؟ أهو تأكيد المؤكَّد؟ أم إستعراض داخلي موجَّه إلى الذات قبل الآخر؟
من ذاكرة الحرب الأهلية
الهتافات الطائفية ليست جديدة في لبنان. منذ بداية الحرب الأهلية، اعتاد اللبنانيون سماع صرخات مشابهة: «موارنة موارنة»، «سُنّة سُنّة»، «شيعة شيعة»، «دروز دروز»… كلها كانت شعارات تعبئة تُستخدم لشدّ العصب، لا لإقناع الخصم. في تلك الأيام، كان للهتاف معنى في لحظة الاقتتال، لأنّه يعلن الإنقسام ويستعرض القوة. لكن التاريخ نفسه يعلّمنا أنّ هذه الهتافات كانت دائمًا إعلان ضعف أكثر مما هي إعلان قوة، فالجماعات الواثقة من نفسها لا تصرخ بإسمها، بل تثبت حضورها بالفعل وبالإنجاز.
اليوم: صدى بلا جمهور
الضاحية الجنوبية ليست ساحة حرب أهلية، بل منطقة يقطنها لون واحد. فماذا يعني أن يهتف أهل البيت داخل بيتهم باسمهم؟ هو أشبه ببحّار يقف وسط المحيط ويصرخ: «ماء ماء ماء!». أو بمالك أرض يهتف في حديقته: «هذه حديقتي». إنّها صرخة في الفراغ، لا تغيّر شيئًا ولا تضيف شيئًا.
قوة تخوف أم اعلان خوف؟
إذا كان الهدف تخويف «الآخر»، فهذا الآخر الذي يقصده الهتافون لم يعُد يخاف من أصوات ، بل أصبح محل سخرية عندهم من تكرارها. وإذا كان الهدف طمأنة الذات، فهي طمأنة مشبوهة: من يحتاج إلى ترديد هويته داخل بيته إلا من يخشى أن تضيع منه؟
السخرية الحقيقية
وللتوضيح منعا للإستثمار السخيف من يسخرون من هذا الفعل، يسخرون من شخوصكم لا من الشيعة، لأنّهم يحترمون الشيعة ورموزهم. والدليل على ذلك مثال حيّ فما أن تذكر مثلاً السيد موسى الصدر إلا أعلن أولئك كل الإحترام، حتى في غيابه، حيث ينحني له جميع أبناء الوطن إجلالًا وتقديرًا.
وحتى إذا كنتم أيّها الهتافون تعتقدون أنّ ذلك يرهب العدو الإسرائيلي، فاعلموا أنّ العدو يفرح من تلك الصرخات لانّها بالنسبة له تحقّق الإنقسسام العامودي داخل الوطن وتحقق أهم طموحاته ومؤامراته تقسيم المجتمعات العربية طائفياً ومذهبياً. الذي يخيف هذا العدو فقط هم أولئك الشجعان الذين استشهدوا على الحافة في عزّ العدوان ليمنعوه من التوغّل في أرض الوطن بعد كل ما حققه من تفوق تكنولوجي وعسكري وامني.
إذن، هذا الهتاف لا يزرع الخوف، بل يصبح مصدر سخرية وضحك حتى في أعين أعداء الوطن.
المعنى الحقيقي للهتاف
في العمق، هذه الصرخة ليست إعلان قوة بل إعتراف ضعف. هي محاولة لتغطية عجز سياسي وإقتصادي وإجتماعي بالضجيج الطائفي. فحين تنهار الخدمات، وتُسرق الدولة، وتُفكّك المؤسسات، ويستبيح العدو الوطن يصبح أسهل الحلول الهروب إلى شعارات الهوية. لكنها شعارات جوفاء، لا تشبع جائعًا ولا تعالج مريضًا ولا تؤمّن مستقبلًا ولا تواجه عدواً.
الخلاصة
«شيعة شيعة شيعة» في قلب الضاحية ليس سوى كاريكاتير سياسي. صرخة داخل جدران مغلقة تُخاطب الذات أكثر مما تخاطب الآخر. هتاف لا يعلن حضورًا بل يكشف غيابًا؛ لا يعكس قوة بل يفضح خوفًا عميقًا من فقدان السيطرة على الواقع. وفي النهاية، يبقى السؤال الكبير: متى تتحوّل الهوية لأي طرف يعليها في زمان ومكان مختلفين من شعار يُصرخ به إلى قيمة تُبنى بالأفعال؟
وحدة لبنان أرضاً وشعباً هي أعلى صرخة في مواجهة كل الأخطار الداخلية والخارجية.