الديمقراطية المحلية مُهدّدة.. البلديات مُهترئة وانتخاباتها رهن المجلس النيابي ذو التاريخ المُحبط

الديمقراطية المحلية مُهدّدة.. البلديات مُهترئة وانتخاباتها رهن المجلس النيابي ذو التاريخ المُحبط

  • ٠١ شباط ٢٠٢٤
  • عبدالله ملاعب

مدَّد مجلس النواب في نيسان من العام 2023 صلاحيات المجالس البلدية والإختيارية لمدة أقصاها سنة واحدة بعد أن كان موعدها قد تأجَّل من العام 2022 إلى العام الماضي. اليوم، وفي أعقاب إنتهاء مهلة التمديد الثانية للمجالس البلدية والإختيارية، يعود النقاش إلى الواجهة حول ما إذا كان مصير الإنتخابات التمديد للمرة الثالثة.

الوضع الراهن كارثي
لم تَجر الإنتخابات البلدية والإختيارية في لبنان منذ العام 2016. وكل البلديات البالغ عددها اليوم 1,062، تعاني عجزاً مالياً كبيراً ومشاريعها متوقفة بفعل فقدان قيمة الإيرادات المالية لكونها تُحصّل بالليرة اللبنانية. بعض البلديات أسعفتها برامج الأمم المتحدة من UNDP وغيرها. ومئات البلديات أصابها شلل نقدي ووظيفي وطالت الإستقالات رؤساءها والأعضاء معاً. وأبرز مثال على ذلك، بلدية الشويفات خلدة، إحدى أغنى البلديات اللبنانية بفعل عائدات المطار وأكبرها حجماً، إستقال رئيسها مطلع هذا العام لتصبح كل البلديات الواقعة جنوبي العاصمة بيروت بإتجاه قضاء عاليه: أي الشويفات خلدة، وعرمون، وديرقوبل، وبشامون دون رأس أو مجلس بلدي فعلي. وهذا ليس إلّا مثالا بسيط في دولة تعطّل فيها العمل البلدي كسائر المرافق العامة. 
ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أنّ المادة 96 من موازنة العام 2024 لحظت رفع البلديات للقيمة التأجيرية عشرة أضعاف للوحدات السكنية ولغير السكنية 10 و15 و20 بحسب الطوابق، بالتالي رفع إيراداتها. 

وزارة الداخلية والبلدية مستعدّة والأموال متوافرة
في آخر تمديد للمجالس البلدية والمخاتير تذّرع المجلس النيابي بحجتين: الأولى غياب التمويل لإجراء إنتخابات تتطلب 9 ملايين دولار، والثانية: التعطيل الذي يضرب القطاع العام لجهة التغيّب الوظيفي والإضرابات إحتجاجاً على فقدان الرواتب قيمتها. 
المشهد اليوم لم يتغيّر لجهة العاملين في القطاع العام، بل إزداد تعقيداً بعد إبطال الحوافز التي أقرّتها حكومة تصريف الأعمال في العام الفائت لكونها لم تشمل كل العاملين في القطاع العام، وبعد صدور موزانة العام 2024 التي لم تتضمن حوافز للعاملين في القطاع العام بل ضرائب إضافية تضعف من قدرتهم الشرائية المُنهكة. ولكن، على الرغم من ذلك، يجري رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مشاورات ولقاءات لإقرار زيادة جديدة على شكل مساعدة إجتماعية أو حوافز مالية لموظفي القطاع العام في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء.

إلى ذلك، أكَّدت مصادر وزارة الداخلية والبلديات في إتصال مع «بيروت تايم» أنَّ الوزارة تتحضّر لإجراء الإنتخابات ضمن المهل الدستورية المحدّدة أي في أيَّار من العام الجاري، وليست هناك عوائق مالية ، مشيرة إلى أنَّ موازنة العام 2024 قد لحظت مبلغاً من المال لإجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية. وذكّرت المصادر بأنَّ الوزارة لم تعلن يوماً عن عدم قدرتها على إجراء الإنتخابات إذ إنّ التمديد كان يأتي من المجلس النيابي لا من وزير الداخلية. 

حجج إسقاط الإنتخابات البلدية ساقطة حكماً  
في السياق، يوضّح وزير الداخلية والبلديات السابق زياد بارود عدم وجود أي مبرّر قانوني أمام مجلس النواب لتطيير الإنتخابات البلدية والإختيارية، معتبراً أنَّ لا مانع قانوني من إجراء حكومة تصريف الأعمال للإنتخابات، ومن المعلوم أنّ  إجتهاد مجلس شورى الدولة القائم من العام 1969 يُؤكد أنَّ كل ما يرتبط بمهل دستورية يُحتّم على حكومة تصريف الأعمال تطبيقه ولا يترك لها الخيار بذلك. بالتالي على حكومة تصريف الأعمال إجراء الإنتخابات حكماً. 
تجربة المجلس النيابي، المؤسسة التشريعية الأولى في لبنان مُخزية مع التمديد للمجالس البلدية والاختيارية. وهي عكس المهام الموكلة له. فلا بدّ من التذكير أنَّ المجلس النيابي مدّد للمجالس البلدية والإختيارية لـ20 مرة بين عامي 1967 و1998 إلى أن أسقط المجلس الدستوري قانون التمديد رقم 21!

الكرة في ملعب المجلس النيابي  
تعليقاً على الملف، تحدّث عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب أكرم شهيّب عن خشيته من تطيير المجلس النيابي للإنتخابات البلدية والإختيارية مُحذراً من تداعياته، باعتبار أنّ للبلديات دوراً مركزياً لجهة الإنماء المحلي وخدمة المصلحة العامة والمواطنين بشكل مباشر. وكشف شهيّب أنّ بعض الكتل النيابية قد تذهب للتمديد وتُسوّق لذلك نظراً للإعتداءات التي تطال الجنوب اللبناني وإتساع رقعة المواجهة مع العدو، بالإضافة إلى أنَّ  بعض القوى تعتبر الحكومة غير مُخوَّلة القيام بذلك في ظلّ عدم إعادة تكوين السلطة التي تبدأ بإنتخاب رئيس للجمهورية.

 
إذاً بالختام، وزارة الداخلية والبلديات جاهزة لإجراء الإنتخابات، وما من مُسوّغ قانوني يمنع ذلك، أكان الفراغ الرئاسي أو في وجود حكومة تصريف أعمال. والكرة في ملعب القوى السياسية لدى مجلس النواب. فبعضها لم تتّخذ موقفاً بعد بإنتظار إنتهاء دراسة المعطيات المتعلقة بقاعدتها الشعبية ومدى قدرتها على إيصال مرشحيها إلى المجالس البلدية لاسيما وأنَّ الإستحقاق النيابي بدوره لم يعد بعيداً.