بين جدار الصوت وفجوة الذاكرة: أصداء حرب نفسية؟

بين جدار الصوت وفجوة الذاكرة: أصداء حرب نفسية؟

  • ٠٨ آب ٢٠٢٤
  • كاسندرا حمادة

لجأ الأطفال إلى مخابئهم الوهمية تحت الأغطية، بينما انكمش الكبار في صمت حذر، إنّ دوي جدار الصوت ليس مجرد ضجيج عابر، بل هزة عنيفة لعقول اللبنانيين، حملت معها صدى حروب وإنفجارات ماضية، لم تشفَ الذاكرة منها. فهل هذه حرب نفسية تستهدف العقول قبل الأجساد؟

 يحكى اليوم عن  الحرب النفسية التي تمارسها إسرائيل على اللبنانيين، فإنّ التهويل هو أحد الأسلحة الأساسية في الحرب النفسية، خاصة في عصرنا هذا حيث يمكن تحقيق الأهداف الاستراتيجية بدون الحاجة إلى المواجهات المباشرة. لذا، يجب على الدول والجماعات أن تكون واعية بأهمية هذه الأدوات وكيفية استخدامها بشكل فعال لتحقيق النجاح.
عند سماع خرق جدار الصوت مساء يوم الثلاثاء، يقول غابرييل معوض، وهو من عايش الحرب خلال طفولته: «لم أستطِع تناول طعام العشاء. لا خوفاً أو قلقاً على نفسي، بل خوفاً على اولاد شقيقتي وشقيقي وقلقاً على الأثر الذي سيتركه الخوف من صوت لم يعتادوا عليه، وتأثير جدار الصوت، على نفوسهم. وبشاعته هي عندما تعتقد أنّه لن يعاد، فيتكرّر مرات ومرات». 
أما سارة نو سعد وهي فتاة عشرينية، بعيدة تماماً عن ذكريات الحرب، فتقول أنّه عند سماعها صوت، لمع في رأسها أولا ً صورة إنفجار المرفأ، ولكن بسبب كل ما تسمعه من تحليل وخطابات وتهديد، اعتقدت أنّ إسرائيل تقصف الآن. 
وبناء على هذه الحالات، فإنّ جدار الصوت يعمل على الأذى النفسي، من خلال لعبة الحرب النفسية.

رحلة الحرب النفسية عبر التاريخ
في حقبات عدّة عبر التاريخ، كانت الدول الكبرى تعتمد أساليب مختلفة في الحروب. لم تكن المعارك تعتمد فقط على الأسلحة والنيران، بل استخدمت الدعاية كسلاح خفي وقوي ضد أعدائها. تحت مظلة التدابير العسكرية والاقتصادية والسياسية، صاغت حملات دعائية تهدف إلى زعزعة معنويات العدو وكسر إرادته في القتال. كانت الرسائل الموجهة تمثل طعنة خفية تخترق القلوب والعقول، تجعل العدو يتردد ويتراجع، وربما يتحول إلى موقف مختلف. لم تقتصر هذه الدعاية على ضرب الأعداء فقط، بل كانت تنبض بالحياة لتعزيز عزيمة الحلفاء ومقاتلي المقاومة، تزرع فيهم روح الأمل والإصرار على النصر. كانت الحرب النفسية سلاحًا ذو حدين، يستخدمه القادة بحكمة لتحقيق أهدافهم في زمن الصراع. 
وعلى الرغم  من أنّ الحرب النفسية كثيراً ما ينظر إليها باعتبارها اختراعاً حديثاً، فإنّه أصولها  قديمة. فقد استخدمها قورش الأعظم ضد بابل، و خشايارشا ضد الإغريق، وفيليب الثاني المقدوني ضد أثينا. كما ساعدت الشائعات التي زرعها جنكيز خان ببراعة حول وجود أعداد كبيرة من الفرسان المغول الشرسين في جيشه في تحقيق فتوحاته.

الحرب النفسية والتأثير الفردي
بحسب الأخصّائي في تدريب  الأعصاب فؤاد قدّوم، يختلف تأثير هذه الحرب النفسية من مجتمع إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى. 
يعيش سكان الجنوب في قلق دائم، أما في بيروت يتلقّى  السكان الخوف في لحظات متفاوتة.  
ولكن الرابط المشترك، والذي يعزّز التروما لدى جميع اللبنانيين، هي مواقع التواصل الإجتماعي، المكان الذي تنتشر عليها الأخبار التهويلية  لترسّخ في العقول.
لذلك، نعود هنا إلى فكرة الـ trigger، وهي محفّزات حسية تسبّب ظهور ذكريات مؤلمة أو أعراض معينة.
تعود إلى الذهن تلقائياً،  خاصة عند الأشخاص التي لم يتعافوا من الصدمات السابقة،  مثل الشعور لحظة إنفجار المرفأ، أو لحظة حدوث الزلزال، حتى أنّ الذاكرة تعود إلى  مرحلة  كورونا لأنّ الناس في تلك الفترة فقدوا الشعور  بالأمان. 
إلى ذلك، تعمل عقول الناس  اليوم من دون تخطيط، وكأنّها إتخذت قراراً بالتوقف عن  التفكير العقلاني واكتفت بالخوف من اللحظة.


الإنشغال هو الحل
ويلفت الأخصّائي القدوم  إلى أنّ الصحة النفسية تؤثّر على الصحة الجسدية، ويشرح أنّ الحل هو أن يبتعد الفرد عن متابعة الأخبار الدائمة، وإنتظار الرسائل من مواقع التواصل الإجتماعي حول أخبار الحرب. 
ويجب على الفرد أن يتصرّف كما يرتاح، فإذا أراد أن ينام خارج بيروت، أو أن يُبقي شبابيك المنزل  مفتوحة، وغيرها من الأمور التي تشعره بالأمان، ليفعلها. ويشدّد إلى أنّ هناك العديد من الأخبار المغلوطة، تفاقم الخوف، لذلك لا بدّ من  الإنشغال بأعمال أخرى ووضع أهداف مهمة(مهنية، حياتية،..)، بعيداً عن الشاشات الصغيرة. 
أما بالنسبة للأطفال، فعند سماع أي جدار صوت، من المهم أن يلهي الأهل أطفالهم ببعض الألعاب في الغرفة، على سبيل المثال، أن نطلب من الطفل تسمية عشرة ألوان في الغرفة أو عشرة أشياء، بهذا يعمل عقله بوضع أهداف وينشغل عن الأمور التي قد تولد الخوف له. 

في المحصّلة، فإنّ مواجهة الحرب النفسية تستدعي مواجهة وإدراك، والإهتمام بما يفيد الظروف الحالية، بعيداً عن كلّ الإشاعات المغلوطة. وإذا كان للحرب النفسية، قوة على التهويل عبر تاريخها، فأما  في لبنان  فإنّ الأزمات المتتالية والحروب السابقة، لم تكن أقلّ وقعاً على اللبنانيين.