في انتظار «غودو» ودبابات نتنياهو
في انتظار «غودو» ودبابات نتنياهو
الحرب المملة في جنوب لبنان باتت دون غاية أو هدف، وربما لم يكن لها، منذ إنطلاقتها الأولى، أي غاية مفيدة أصلاً.
ننتظر جميعاً السيد بنيامين نتنياهو، لكأنّه شخصية «غودو» في مسرحية «صموئيل بيكيت». فتصرحيات رئيس الحكومة الإسرائيلية وثلة من أعوانه ووزرائه الأخيرة، لا تفيد إلا بقرب إنطلاقة الحرب الجديّة ضدّ حزب الله ولبنان معاً.
حيناً، يريدون «تغيير قواعد الإشتباك» مع «حزب الله»، وأحياناً أخرى يريدون «رد لبنان إلى العصر الحجري». هذا طبعاً، على اعتبار أنّ لبنان يعيش، أصلاً، عصراً ذهبياً.
المسرحية الكوميدية والتراجيدية التي نُشرت أول مرة عام 1952، والتي تحمل عنوان «في انتظار غودو»، تتكلم عن رجلين معدمين ينتظران وصول رجل إسمه «غودو» لكي ينتشلهما من حالتهما المزرية. تدور الحوارات اللامتناهية بينهما، وينتهي الأمر بأن لا يأتي «غودو»، فيقرران الإنتحار، ولكن يفشلان. هذه المسرحية تُمثل حالة الانتظار التي يمكن أن يعيشها الإنسان طوال حياته، لاهثاً وراء أمل بأن تتحقق أحلامه ومساعيه.
وكلنا، المعنيون مباشرة أو غير مباشرة بالحرب بين إسرائيل و «حزب الله»، «غودويون» بشكل أو بآخر. نتنياهو بانتظار الضوء الأخضر الأميركي أو ربما انتخاباته الرئاسية، و«حزب الله» بانتظار التصعيد الإسرائيلي، فيما إيران بانتظار «الزمان والمكان المناسبين». أمّا نحن اللبنانيين، دولة وشعباً، فلا نبدي إكتراثاً جدياً لما يجري على أرضنا وسمائنا، ومجرد متفرجين على لعبة لا ناقة لنا فيها ولا جمل، ولا قدرة لنا حتى على التأثير بها، حتى وإن كانت مؤثرة علينا بشكل مباشر.
الإنتظار في لعبة الحروب ميزة لا يتقنها إلّا الأذكياء والكثيري الفطنة. لعبة الحرب كلعبة الشطرنج، تفترض أن يتقدم البيدق في زمن معين، ليكون ذا فائدة، وإلّا هلك. ومن الواضح، حتى الساعة، أنّ بيادق إسرائيل أكثر مقدرة من تلك التي يملكها «حزب الله». فهذا الأخير يخسر، كل يوم تقريباً، بيادقه المتنقلة بالسيارات أو المختبئة في المنازل أو بين البيوت. أما قلعتا وحصانا ووزيرا العدو، في انتظار نزول «غودو» إلى ساحة المعركة.
وعادة، قبل الحروب، تكثر الأماني والتمنيات والسقوف العالية. يظن الإسرائيلي، ربما، أنّ الدخول إلى لبنان نزهة، أو أنّ رد «حزب الله» إلى ما وراء الليطاني، أمر سهل. من يدري، قد لا يكون الإسرائيلي مدركاً بعد أنّ «حزب الله» لم يستعمل معظم أسلحته «الحديثة» أو قواه العسكرية الكثيرة، أو أنّه لم ينتبه بعد إلى أنّ «حزب الله» لا يكترث إن تدمر لبنان عن بكرة أبيه، شرط أن يبقى رجل واحد من حزبه يرفع بندقية ويتمختر بها في حقل جنوبي.
في المقابل، ليست أحلام وتمنيات «حزب الله» أقل سخافة من تلك التي لدى إسرائيل. فالتصريحات التي يرددونها عن «نهاية إسرائيل» و«الدخول إلى الجليل» وغيرها من الترهات الشعبوية، تبدو أقرب إلى أحلام شباب مراهق، لا يفهم قدرة الجيوش المنظمة ومواقف دول العالم المعنية بأمن إسرائيل.
على عكس المسرحية، قد لا يطول إنتظار «غودو». قد نكون على موعد مع حرب حامية هذا الصيف، ومغامرة كثيرة المخاطر، ونرى دبابات الجيش الإسرائيلي شمال السياج الحدودي. سنرى في حينها، طبعاً، جنود «حزب الله» يفتكون ببعضها، قبل أن تفتك هي بهم. سنرى المزيد من المنازل والأحياء المدمرة، والكثير من أشلاء الضحايا والأبرياء.. كما الكثير من رياء الإعلام المتعاطف ورجال دين المنابر. سنرى، من بعدها، إتفاقاً سياسياً وأمنياً جديداً مكمِّلاً للقرار الدولي 1701، ثم تعويضات وترميم وأناشيد وخطابات إنتصارات وهمية، لنعود ونحيا أزمة أخرى، بانتظار «غودو» آخر وحرب أخرى بعد سنوات.
قدرنا، نحن في لبنان، أن نعيش حالات الإنتظار. ما عاد الإنتظار، الموازي لمضيعة الوقت في الأساس، سمة سيئة عندنا. ما عاد يزعجنا حتى. نحن بانتظار إنتخاب رئيس، وبناء دولة، وإصلاح قضاء، ونتائج تحقيق إنفجار المرفأ وعودة ودائع الناس. نحن في حالة إنتظار دائمة، لمخلص لن يأتي، ولشعب ما عاد يكترث إن عاش ف يحالة حرب أو في حالة سلم، أو بين حاكم فاسد وآخر أفسد منه. ننتظر الأمل الآتي قبل موعد الأجل، كمثل «فلاديمير» و«إستراجون» في المسرحية. ننتظر عالم الغيب أن يهدينا بركة وطريق وخلاص، ونعيش من دون خطة عمل أو حتى تفكير عقلاني.
نظرة إلى الإعلام الإسرائيلي، تفيد أنّ الحرب الكبرى قد اقتربت، وأنّ «غودو» قادم على دبابة ليقاتل في الجنوب أو ربما أبعد. أما توقيت قدومه، فلا يعرفه إلا قلة، دون أن يعني أنّ إحساس الناس لا يمكن أن يصدق أحياناً، فيتوقعون يوماً أو شهراً أو ظرفاً، ويقولون هذا هو تاريخ الحرب. من يدري، ربما يكون 12 تموز هو تاريخ قدوم «غودو» إلى جنوب لبنان، تاريخ منتقى بعناية، في الذكرى الـ18 على حرب تموز «الأولى»، تماماً كما اختارت حركة «حماس» السابع من تشرين الأول الماضي لتنفيذ عملية «طوفان الأقصى» والهجوم على إسرائيل، وذلك في ذكرى الخمسين بالتمام والكمال على حرب «يوم الغفران» عام 1973.